صوت بيعلا في الفجر .. قصة قصيرة بالعامية المصرية

(1) ----------------------------------------------- للوهلة الأولى ما خدتش بالي ، قفلت صوت المنبه في الآي باد و قمت ؛ دست زرار ماكنة القهوة و لقيت نفسي با ابص تاني من الشباك بعنين مفتوحتين تماما .. عينين طار منهم النوم تماما ، اللي تخيلته وهم او بقايا نوم لقيته قدامي .. مدخنة .. مدخنة من الطراز القديم ، زي اللي كنت با اشوفهم في مصر على امتداد النيل في مكان ما من القاهرة . ايه سبب الدهشة و الخضة حاولت أسأل نفسي !! .. اكيد المدخنة دي طول عمرها و هي هنا ، انت بس اول مرة تلاحظها .. حاولت أقول لنفسي !! مدخنة من هذا الطراز في مدينة اوربية في القرن الواحد و العشرين ؟ خمس سنين ساكن في نفس الشقة و في نفس المكان و اول مرة الاحظها ؟ عادي .. مرة تانية لقيتني با اقول .. عادي جدا !! اومال ليه انا مش حاسس انه عادي ؟؟ .. في الحقيقة .. احساس ماليني و انا تحت الدش .. و انا با اشرب القهوة .. و انا البس و با استعد للخروج .. احساس ابعد ما يكون عن العادي . في ساحة انتظار العربيات ابتسمت :) .. انت فاكر نفسك بطل فيلم من الافلام دي لما اليوم بيبدأ بداية مش طبيعية و بعدين تحصل احداث غير متوقعة ؟ بطل فيلم (افتر اور) سيادتك بتاع مارتن سكورسيزي ؟؟ .. و الا البحث عن سيد مرزوق !! فتحت باب العربية و انا لسه با ابتسم .. دار الموتور من غير مشاكل .. لا احداث سيادتك .. لا احداث .. اقنع بما تبقى دون مغامرات و لا تغيرات .. فقط تراكم الايام و السنين .. و هذا الشعور بالأطمئنان .. الاستثناء ان هذا الشعور النهاردة مش بنفس الثقة في النفس اللي كان بدا يستقر بيها . اللي كان بدأ يتحول معاها لحقيقة مستقرة واقعة . و أنا با ألف علشان ادخل بالعربية للشارع الرئيسي بصيت بصة عابرة على جانب الطريق .. بصة عابرة بعدها دست على الفرامل بقوة .. صوت احتكاك العجل بالأسفلت كان عالي لدرجة لازم تسمع الشارع .. مع ان سرعة العربية كانت اقل من العادي ، انطلق نفير العربية اللي ورايا احتجاجا ، تحركت تاني و المرة دي لقيت نفسي با أبلع ريقي بصعوبة ، القيت نظرة تانية على جانب الطريق .. ما فيش ادنى شك في اللي انا شايفه قدامي ، المساحة الفاضية من الارض اللي كانت على جانب الطريق تحولت دلوقت لمساحة محفورة ضخمة !! حفر من اللي بيسبق رمي اساسات !! حفر عميق و منتهي و على كامل مساحة الارض .. حفر في الواقع جاهز لرمي الاساسات !! امتى ؟؟ امتى ده حصل ؟؟ لغاية امبارح بس كانت الارض مساحة فاضية لكن ما فيش فيها اي حفر .. ما فيش اصلا معدات او اجهزة او آلات كانت موجودة ممكن توحي ان فيه مشروع حفر !! امبارح .. امبارح بس .. مش من اسبوع و لا تلات ايام و لا يومين !! امبارح انا متأكد !! ---------------------------------------------------------------------------- ---------------------------- (2) --------------------------------------------------------- وصلت الى الفندق اخيرا ، لبست بدلة الاستقبال ، ثبتت الثلاث اعلام على ياقة الجاكت .. الالماني .. البريطاني .. السعودي .. و وقفت ورا حاجز الاستقبال .. جاهز لخدمتكم بثلاث لغات .. كل شئ يبدو عادي تماما ، حقيقة اني وصلت الى الفندق ، حقيقة ان الارض لم تنشق و تبلع العربية في نقطة ما من الطريق ، او ان الطريق نفسه ما انقطعش في لحظة و ظهر في نصه تنين بينفخ نار ، حقيقة اني واقف ورا الحاجز با استقبل يوم عمل عادي .. كل ده بيؤكد ان كل شئ في الواقع اكتر من العادي .. فا ايه مبرر القلق ؟؟ انتبهت على صوت نسائي بيتكلم جنبي با المانية ذات لكنة روسية ، التفتت و لقطت عيني فورا الاعلام الثلاثة .. الالمانية .. البريطانية .. الروسية .. فوق الياقة النسائية .. هيلين زميلتي في الاستقبال بتسالني مالك !! ما فيش .. قلت لها .. ما نمتش كويس بس !! الحقيقة اني الاجابة دي فيها جانب من الواقع ، من يوم ما انتقل الى السكن في الطابق جيراني الجدد و انا مش قادر انام كويس ، ما فيش حد في الحقيقة في الطابق قادر ينام كويس !! يوميا في الثالثة صباحا او بعد كده بشوية بتبدأ الصلوات و الادعية بصوت مرتفع ، ما اعرفش كام بالظبط عدد السكان الجدد .. بس ممكن يكونوا تلاتة او اربعة .. كلهم من بلد ما من شمال افريقيا ، ما قدرتش احدد اللهجة بالظبط في المرات اللي سمعتهم بيتكلموا صدفة و انا داخل او خارج في نفس وقت دخولهم او خروجهم ، طلب مني باقي الجيران اني اكلمهم انهم يحتفظوا بأصواتهم في الحدود الخاصة بشقتهم و الا ح يضطروا يبلغوا البوليس .. قال لي الجار اللي كلمني انهم قرروا يعملوا محاولة من خلالي قبل ما ياخدوا اجراء بهذا العنف في حق جيران في النهاية !! وعدت اني ح اكلمهم و انطلقت الى عملي يومها .. لما رجعت في هذا اليوم كان معايا كريستينا .. تصادف و انا با افتح الباب ان واحد منهم خرج من شقته ، نقل نظرته بيننا احنا الاتنين .. و دور وشه اللي ظهر عليه تكشيرة واضحة .. تكشيرة انسان شاف عدو قديم له مضطر انه يتعايش معاه في نفس الحي او المكان لسنين .. ما نفذتش وعدي يومها و لا اي يوم تاني بعدها . ده صاحب التكشيرة ، اما صاحب الأبتسامة فواحد تاني منهم .. اول مرة اشوف ابتسامته كانت تاني يوم ، اول مرة اشوفه اساسا كانت تاني يوم .. خرجت يومها من الشقة ، و برضه كانت معايا كريستينا ، قضينا الليلة و خرجنا سوا الصبح ، و انا با اقفل الشقة بالمفتاح كان هو جاي و بيفتح باب شقتهم .. جاي مش خارج في هذا الوقت المبكر صباحا ، و ده بدا ليا غريب جدا وقتها ، و حدث ما بدا لي اغرب و اغرب !! ما قالش سلام عليكم او اي تحية بالعربي او بالألماني .. كل اللي عمله انه بص لي و ابتسم ، ابتسامة محقق لمتهم وقع بالكلام اثناء التحقيق .. ابتسامة طبيب لمريض كدب كدبة واضحة حوالين سلوكياته الطبية .. ابتسامة من هذا النوع الواثق ، اللي بيبتسمها شخص واثق في وش شخص موضع اتهام ، على قد ما كرهت هذه الابتسامة على قد ما حاولت انساها .. و اخرج صاحبها من دماغي تماما ، الحقيقة كل الشقة المجاورة بكل سكانها حاولت و با احاول اخرجهم من دماغي تماما ، رغم الصوت اللي بيعلا في الفجر . انتبهت على رنة تليفوني .. بصيت على الشاشة لقيت وش كريستينا المبتسم ، كم احب هذه الابتسامة ، ارتسمت على وشي ابتسامة انا كمان و انا با اضغط قبول .. و با ابدا انا بتحية الصباح (( صباح النور )) ردت و صوتها فيه نغمة استبشار (( صوتك فايق و نشيط .. شكلك كده في الشغل )) اضافت بنفس النغمة (( طبعا في الشغل .. اومال ح اكون فين ؟؟ )) رديت و الابتسامة لسه على وشي (( كويس .. الحقيقة انا كنت قلقانة عليك .. شكلك كان تعبان امبارح في آخر السهرة .. لما قلت لي انك احتمال ما تروحش الشغل النهاردة قلت ان ده ممكن اللي حصل )) حسيت بالأبتسامة و هي بتختفي من وشي (( هو احنا اتقابلنا امبارح )) سؤال غبي جدا .. من الواضح طبعا اننا اتقابلنا امبارح ، و غلط اني اسأل السؤال ده ، ح يخليها تشك في قواي العقلية ، المفروض اني اجاريها في الكلام و ما احسسهاش بحاجة ، و بعدين احل بيني و بين نفسي المشكلة دي ، مشكلة وقوع حدث كامل لسه حاصل امبارح تماما من الذاكرة .. لكن لقيت نفسي با اسألها هذا السؤال الغبي ، لسبب بسيط اني عايز اعرف فعلا .. لأن الفضول المرعب ماليني فعلا . لكن الحمد لله ، سمعت صوتها بتضحك بدل ما تقلق او تسكت او ترد اي رد يضاعف الخوف اللي بدأ يستقر اكتر و اكتر مع كل دقيقة بتمر في اليوم اللي مش باين له آخر ده . (( طبعا .. اتقابلنا امبارح .. و كلنا بيتزا و شفنا فيلم كمان .. انا الحقيقة ما كنتش عايزاك تروح .. خصوصا بعد ما قلت لي على حكاية جيرانك و انك مش عارف تنام ، انا عموما قلت لك رأيي .. لازم تبلغوا البوليس ، ما فيش حل تاني )) آخر حاجة عايزها دلوقت هي اني اناقش اي شئ له علاقة بجيراني دول ، مش و انا با احاول انساهم و اخرجهم من دماغي با اي شكل .. مش و انا فجأة امام هذه الحقيقة ان مناطق بتضيع من ذاكرتي و انا ما خدتش اي شئ مؤثر .. لا كحول و لا مخدرات و لا اي شئ اطلاقا .. مش و مدخنة اثرية با اشوفها فجاة من شباكي لأول مرة بعد سكن سنين في نفس المكان ، مش و اراضي بتتحفر و اساسات بتترمي حوالين بيتي و انا مش حاسس و لا شايف ، لأول مرة من سنين .. حسيت اني عايز اقعد و انا واقف في عملي في استقبال الفندق . (( الو )) نبهني صوت كريستينا (( ايوة معاكي )) سمعت نفسي با اقول (( انت رحت فين )) سمعتها بتسأل و صوتها بدا يظهر فيه القلق ، لقيت نفسي با أفتعل ضحكة (( كنت با افكر في اللي انتي بتقوليه .. الحقيقة الافضل اني اخللي جيرانني هما اللي يقوموا بالمهمة دي ، ده اكيد ح يحصل قريب جدا لما صبرهم ينفذ )) حاولت اني احمل صوتي بالمرح و الانطلاق على قد ما أقدر ، كل اللي انا عايزه دلوقت ان المكالمة تنتهي با اسرع ما يمكن ، و انها تنتهي نهاية طبيعية من غير اي اسباب للقلق . بدل ما ده يحصل لقيتها بتقول : (( عملت ايه في الفاس )) و بعدين في المصايب اللي ورا بعضها على راي سعيد صالح في العيال كبرت (( فاس ايه )) المرة دي جه صوتها جد جدا .. و قلقان جدا .. ما فيش ضحك .. و لا مرح .. صوت ما فيهوش الا جدية و احساس ان فيه شئ مش طبيعي (( يوهانس .. فيه ايه ؟؟ انت شربت امبارح في مكان قبل ما تروح ؟؟ )) حقيقة انها نادت لي با أسمي الألماني من غير تدليل بتعني انها بدات تقترب من الغضب .. الشئ الايجابي انها بتسأل اذا ما كنت شربت في مكان .. كريستينا بتغير دائما من فكرة وجودي في بار لوحدي .. طبعا مع احتمالية وجود ستات لوحدهم .. معنى انها حاسة بالغيرة يبقى ما فيش خطر على العلاقة .. او على الاقل ده اللي طمنت بيه نفسي . (( كريستينا .. الاسبوع ده كان صعب في الفندق جدا .. و فيه مليون حاجة في بالي .. قصدك اي فاس بالظبط )) ما فيش اجابة .. لولا صوت زميلاتها في الشغل بيتكلموا جنبها كنت افتكرت انها قطعت الاتصال .. اخيرا قالت بعد تنهيدة تكاد تكون مش مسموعة : (( الفاس بتاع بابا اللي انت خدته من مخزن الادوات عندي )) صمت قصير تاني .. و بعدين كملت (( قلت لي ان ليك صاحب عايز يحفر في الباك يارد عنده علشان يثبت عمود لطبق الساتلايت .. و افتكرت الفاس بتاع بابا )) صفر .. الذاكرة صفر .. مش فاكر الموضوع نهائيا .. و لا حتى ظلال من الذاكرة .. كل قلقي و خوفي خرجته في ضحكة مصطنعة عالية (( ياه .. تخيلي نسيت الموضوع خالص .. يبدو انه ما كلمنيش فنسيت )) تنهيدة سريعة تانية .. بعدها قالت : (( كويس .. يا ريت ترجعه في اسرع الوقت .. لو بابا جه و مالقوش في المخزن ح يعمل لي مشكلة .. انت عارفه في المسائل دي )) (( طبعا .. طبعا )) لما افتكر الاول انا حطيته فين .. فكرت و لقيت نفسي با اضحك المرة دي بجد .. شئ ما خلاني اضحك ضحكة قصيرة ، يبدو ان كريستينا ما انتبهتش ليها .. لأني لقيتها بتنهي المكالمة لان جالها شغل .. اتفقنا نتكلم بالليل .. و انقطع الاتصال . حطيت التليفون في مكانه على الحاجز و شفت حد بيخرج من الفندق .. بيعدي من الباب الدوار .. مش ده الجار صاحب الابتسامة ؟؟ ايوة .. بالتاكيد هو .. لا .. لا .. مش ممكن يكون هو !! سمعت هيلين بتسألني على حاجة .. بصيت لها .. الكلام طالع من بقها با ألمانيتها الروسية اللي بقيت افهمها كويس جدا .. المشكلة اني في اللحظة دي مش قادر افهم من كلامها شئ .. يمكن لو ركزت ح اقدر افهم .. لكن منين اجيب ذرة تركيز ؟؟ (( معلش يا هيلين ..فيه حاجة لازم اجيبها من العربية .. ح ارجع بعد دقيقتين بالظبط )) حسيت بنظرتها في ضهري و انا با امد بمشيتي و اخرج من باب الفندق الدوار .. بصيت في الشارع يمين و شمال .. راح فين ؟؟ اختفى تماما .. يا ترى كان هو ؟؟ مش ممكن يكون هو !! و حتى لو هو .. ايه المشكلة ؟؟ ايه مبرر الخوف ؟؟ ايه مبرر القلق ؟؟ مشيت لغاية العربية .. بس علشان ادي لنفسي الوقت الكافي قبل ما ارجع للفندق .. و انا قدام العربية .. و انا با استعد للرجوع .. خطر في بالي لسبب ما اعرفوش اني افتح شنطة العربية .. حطيت المفتاح و فتحتها بالفعل .. فوق العجلة الاحتياطية بالظبط لقيته مستقر .. فاس حديدي كبير .. بمقبض خشبي قصير . --------------------------------------------------------------------- ---------------------------------------- (3) ---------------------------------------------------- في مطعم ماكدونالز ، واقف منتظر دوري ، الطلب المعهود ، بمجرد ما بيجي دوري بتاخد مني الموظفة الفلوس و تديني الايصال من غير ما تسألني .. قهوة و تشييز برجر .. كل شئ معهود معروف .. و السنين بتتراكم با اطمئنان . با ابص على مدخل المطعم .. عدد من الاي باد متثبت على الترابيزات في المدخل .. بخدمة انترنت مجانية للزباين ، اتنين منهم فاضي .. اتمنى يفضل على الاقل واحد فاضي بعد استلامي للطلب ، و انا با ادور وشي تاني في اتجاه الموظفة و الطابور .. لفت نظري زبون بيدخل المطعم ، زبون عادي .. الا ان فيه شئ في وشه مش عادي !! با ابص له تاني .. با اركز اكتر في وشه لغاية ما بتفاجاني الابتسامة ، هو الجار صاحب الابتسامة ، بيدخل و على وشه نفس الابتسامه .. عيني بتلتقي بيعينه .. عينيننا بتثبت على بعض في نظرة ثابتة مؤكدة .. قبل ما تنزل عيني على ايده اللي بتتمد على قميصه و تفتحه .. تحت القميص حزام ناسف .. بترجع عيني لعينه تاني .. وشه ما بتفارقوش الابتسامة و هو بيضغط على الزرار .. و بيتحول المطعم و معاه الدنيا لأنفجار . ------------------------------------------------------------ --------------------------------------------------- (4) -------------------------------------------------------- صوت الصرخة مش لحد من الضحايا في المطعم ، دي صرختي انا شخصيا و انا با اصحى من النوم مقطوع النفس من الرعب ، مناطق بتروح من الذاكرة ، اشياء بتظهر و تختفي ، و دلوقت كوابيس ، كوابيس و ارهاب !! ده فعلا اللي كان ناقصني ، فين تراكم السنين المطمئن اللي كنت با اشتكي منه ، فين الملل ، فين الاحساس با ان كل شئ عادي و طبيعي ؟؟ كل ده بقى من الذاكرة .. ياريت كل ده يرجع و لو ليوم واحد .. يوم واحد افتكر طعم الاطمئنان كان ازاي !! مش ح اروح لدكاترة نفسيين . . اغبى فكرة جت على بالي و ما اعرفش جت على بالي ازاي اصلا !! الدكاترة النفسيين دول مجانيين كلهم و يجننوا بلد !! واصل حياتك زي ما تكون ، ايه يعني كوابيس ؟؟ كل الناس بتجي لها كوابيس !! كل الناس بتلاقي بقع دم في البانيو في حمامها ؟؟ بقعة دم برة البانيو .. لا .. بقعتين .. زي ما يكون دم ممسوح .. زي ما يكون كان دم اكتر و اتمسح و ده اللي فاضل منه ، الحمام زي ما يكون مغسول كله !! بصيت على جسمي .. بصيت في المراية .. ما فيش اي اثر لأي جروح او اصابات .. خرجت من الحمام و فتحت الدولاب .. فين الهدوم اللي كنت لابسها امبارح ؟؟ عدم وجود الهدوم يفترض انه يطمئنني و الا يقلقني ؟؟ يا ريت كنت اقدر اعرف . في الشغل كلمتني كريستينا عالمعتاد ، اتفقنا اني اروح لها بالليل ، و انا با احط التليفون مكانه لفت نظري ان الآب بتاع النووتس فيه رسالة .. فيه نوت بحاجة المفروض اني اعملها .. فتحت النوت لقيت كلمتين اتنين .. الفاس .. كيس الهدوم !! مش فاكر نهائيا اني كتبت النوت دي .. المفروض اني اتعود على وقوع مناطق من الذاكرة لغاية امتى ؟؟ و الفاس ده اكيد المقصود الفاس بتاع ابو كريستينا .. المفروض اني ارجعه .. طيب و ايه كيس الهدوم ؟؟ افتكرت الهدوم اللي مالقيتهاش في الدولاب ، عصرت مخي في محاولة اني الاقي رابط ما .. في محاولة لتذكر شئ ما . بالليل عند كريستينا كان لسه مخي بيفكر في الموضوع ، رغم الشموع و الجو الرومانسي ، انتبهت في الحقيقة للشموع و الضؤ الخافت و الموسيقى .. رجعت بذهني للمناسبات اللي ممكن اكون نسيتها ، عيد ميلادها ، ذكرى لقائنا ، سألتها في الآخر لما غلب حماري .. قالت انها عايزاني استرخي و احس بالراحة ، قالت انها حاسة اني مش سعيد و قلقان في الايام و الاسابيع الاخيرة و انها قلقانة عليا .. بغرابة شديدة حسيت بدموع بتتجمع في عيني ، حضنتها و قلت لها تطمئن .. سألتني اذا كان فيه مشكلة في الشغل ، قلت لها بالعكس .. كل حاجة ماشية في الشغل كويس .. قلت لها اني با احب شغلي جدا ، بيفكرني بالمطار ، قلت لها اني با احب المطارات جدا ، و با احب السفر جدا .. و فجأة لقيت الدموع بتنفجر من عيني .. وشها القلقان الحنون دفع الدموع اكتر و اكتر ، سألتني مالك .. قلت لها ما فيش .. بصيت حواليا للشموع و حجرة المعيشة الانيقة .. و قلت لها بس حاسس ان كل شئ جميل .. اجمل من انه يكون حقيقي .. كل شئ هادي و مريح جدا .. و انخرطت في بكاء عميق . -------------------------------------------------- --------------------------------------------------------- (5) ---------------------------------------------------------- و بتتراكم الايام تراكمها القديم ، الاطمئنان القديم بيبدأ يعود ، عيادات الطب النفسي لا تقود الا الى الجنون ، واصل حياتك بثقة مهما واجهك ، و بالتدريج ح ينتهي الكابوس .. واقف ورا الحاجز في الفندق ، يوم عمل مرح ، وفد موسيقي من الدنمارك ، اعضائه مرحين و حبوبين ، ملوا الصباح بالمرح .. ابتسامة هيلين جميلة ، النهاردة فستانها اقصر من المعتاد فوق الركبة ، بدون جوارب سواداء يبقى معناه ان الصيف دخل او على الابواب ، حاولت اني امنع نفسي من النظر ، او على الاقل ما يبانش ليها اتجاه عيني ، رن التليفون ، بس ده مش وش كريستينا اللي مبتسم على الشاشة ، وش تاني مبتسم بس بالتاكيد مش لكريستينا .. ثانيتين و جمعت الصورة على هوية المتصل و حطيت التليفون على ودني بعد ما ضغطت قبول !! جاري في العمارة بيسألني على جيراننا العرب ، بقا لي مدة ما باأسمعش الاصوات لأي ادعية او صلوات على الفجر ، كنت فاكر اني نجحت تماما في اخراجهم من ذهني ، لا ابتسامات في الذاكرة و لا كوابيس و تفجيرات في الاحلام ، قلت له اني ماليش بيهم اي صلة ، و مش عارف هو منتظر مني اعرف عنهم ايه بالظبط !! لحظة صمت على الطرف التاني من الخط لقيته بعدها بيسألني با استغراب اذا ما كنتش شميت الريحة !! حسيت بشعور من الانزعاج و الخوف بيزحف جوايا كنت فاكر انه خلاص راح لحاله و ان الحياة بدات ترجع لطبيعتها من تاني ، سألته ريحة ايه اللي يقصدها ، قال لي ان العمارة كلها شمت الريحة و من الواضح انها خارجة من شقتهم .. ممكن يكونوا في اجازة او زيارة برة المدينة و ممكن يكونوا سابوا حاجة عفنت في الشقة او يكون عندهم حيوان نسيوه و حصل شئ مؤسف في غيابهم !! مش فاكر اني شفت مع حد فيهم كلب .. صعب اصلا ان الجيران دول بالذات يربوا قطة او كلب !! في النهاية قال لي انهم قرروا يبلغوا البوليس و حبوا انهم يحطني في الصورة .. شكرته و انقطع الاتصال . لحظة ما انقطع افتكرت فجأة اني حلمت بيهم امبارح بس .. ما كانش كابوس المرة دي ، اني با اخبط على الباب و واحد فيهم بيفتح لي زي ما يكون بيننا موعد .. زي ما نكون اصدقاء قدامي .. في شقتهم كان اللي فتح لي الباب و اتنين نايمين .. قلت له انا خايف لنزعجهم .. فقال لا ما فيش مشكلة او حاجة زي كده .. بقايا حلم .. بقايا ذاكرة . مرح اليوم انتهى طبعا ، و كأن الجيران دول مرتبطة سيرتهم بالقلق ، فكرت بالفعل ان كل حاجة كانت ماشية كويس لغاية ما ظهروا ، امتى بقى يعود الاطمئنان القديم ؟؟ مش النهاردة ده اكيد .. لما وصلت البيت لقيت عدد من سيارات الشرطة في المدخل .. باب شقة الجيران كان مفتوح و بيدخل و بيخرج منه نشاط بوليسي كثيف .. تقدم واحد من الشرطة مني و لقيته بيقول اسمي لما قلت له ان انا هو الشخص اللي ذكر اسمه طلب انهم يتكلموا معايا و قال ان المسالة مش ح تاخد وقت كتير .. قلت له يتفضل يتكلم .. فقال ان الأفضل ان الحديث يتم عندي في الشقة ، فتحت باب شقتي و دعيتهم للدخول .. كانوا اتنين فقط اللي دخلوا و من اللحظة الاولى لدخولهم رجع الاحساس بالانزعاج يزحف جوايا بقوة و حدة اكبر . واحد فيهم كان بيمشط شقتي بعينيه كانه بيبحث عن شئ ما او دليل ما !! فيه ايه بالظبط ؟؟ سألت الظابط هذا السؤال فقال لي ان جيراني .. عددهم ثلاثة .. من اصول شمال افريقية .. تم قتلهم جميعا با استخدام اله حادة .. فاس او معول .. قال ان الحادث حصل من حوالي اسبوع زي ما الشواهد بتقول و قال ان الشواهد بتقول ان الجاني دخل بشكل طبيعي و استغل انشغال احدهم في المطبخ و هاجمه من الخلف قبل ما يتوجه للاتنين التانيين اللي كانوا نايمين و يهاجمهم على التوالي !! فكرت فورا في الجار صاحب الابتسامة .. ايه اللي خلاني افتكر الكابوس ؟؟ حسيت با انزعاج بيتصاعد جواي زي بركان .. هجمة اكتئابية حادة . كانت عين واحد من الظابطين مش مفارقة وشي بينما التاني بيجول بعينه في اركان شقتي كلها .. نظراتهم هما الاتنين ما ريحتنيش .. قلت لهم ان ما كانش ليا بيهم اي صلة و ما عنديش اي فكرة عن ايه اللي ممكن يكون السبب في هذه الماساة .. طلب مني لو افترت حاجة اني ابلغهم و قال لي انهم لقوا بصمات بالفعل و ان اللي عمل كده سيقع في ايدهم في خلال ساعات .. ما عجبتنيش نظرته خالص و هو بيقول كده لسبب ما فهمتوش و ما قدرتش احدده . بعد خروجهم اتصلت بكرستينا .. قلت لها اني عايز آجي ابات عندها الليلة .. ما قلتلهاش حاجة .. غير اني متضايق شوية ، قالت لي مستنياك .. و قبل ما اقفل قالت لي استنى .. توقعت انها تغير رايها و ده ملاني بالضيق .. لكن لقيتها بتقول ارجوك ما تنساش الفاس المرة دي .. مش للمرة المليون .. تنفست با ارتياح و قلت لها حاضر . افضل شئ ان اطلع الفاس قبل ما اتحرك و احطه على الكرسي اللي جنب كرسي السواق علشان ما انساهوش !! فكرت اني محتاج اغير العربية .. محتاج اي تغير في حياتي يبعث على الامل .. فتحت باب شنطة العربية .. لقيت صرخة مكتومة بتخرج مني زي ما يكون معاها بتتقطع ضلوعي .. فوق العجلة الاحتياطية بالظبط لقيته مستقر .. فاس حديدي كبير .. بمقبض خشبي قصير . غرقان بالدم .. و جنبه كيس بلاستيك زي ما يكون كيس هدوم .. برضه غرقان بالدم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق