عين .. بتشوف مصر

في اوقات الوحدة .. الوحدة اللي بجد .. لما بتوصل الوحدة لآخر .. آخر .. نفقها المظلم .. ساعتها بتشك ان فيه حد موجود .. في كامل الوجود و الكون .. غيرك .. لو كانت الفكرة خطرت لك في لحظة .. خليني اقولك .. ان في آخر .. آخر .. نفق الوحدة .. بيستوي عندك بالكامل .. اذا كانت الفكرة صحيحة او لأ .. بتتونس بالعدم .. بتصادق العدم .. و بترمي عليه اقدارك .. بيظهر لك العدم .. كشخص موثوق .. تقدر ترمي عليه حمولك .. في آخر .. آخر .. هذا النفق .. في نفس اللحظة .. اللي بيفرض فيها العدم كامل شروطه .. بتجي لي عين .. عين بتشوف مصر .. عين با ابعتها لمصر .. و با اقدر اشوف بيها نفس الاماكن .. الشوارع و الجدران .. اللي حفرت في الروح نقشوها .. الزوايا و الحواري و الاركان اللي اطلق فيها القلب ندائاته الغامضة .. اسئلة الروح اللي من غير جواب .. با اشوفها بوضوح كامل .. في المكان ده .. كانت اول ابتسامة حقيقية من بنت .. ابتسامة بالبريق الواضح في العين انك عجبتها .. دايما البريق في العين عند البنات في مصر بيطرح التحدي .. بيطلق السؤال اللي اجابته بتاخد الروح لسؤال تاني .. عين با شوف بيها نفس الركن في نفس المكان .. اول بوسة من بنت .. ازاي كنا حاسين اننا بنعمل حاجة غلط .. و ازاي كان الغلط ده .. في اللحظة دي .. اجمل ما حصل في حياتنا .. اول صديق اتسند عليك .. و سندته من غير ثمن .. اول صديق اتسندت انت عليه لما حاصرتك الاسئلة و خدتك على اول سلالم الجنون .. عين بتشوف النيل عن بعد .. و هو مستريح بالكامل في نفس الاماكن اللي اطلقت فيك الآن كامل عذابتها .. لما بيفرض العدم وجوده .. با اشوف النيل و هو مستريح في مصر بعد مشوار طويل .. طويل .. من التعب .. النيل لا يعنيه و لا يهمه على الاطلاق اي عذابات و تحديات اطلقتها مصر فينا .. النيل لا يعنيه و لا يهمه على الاطلاق من يحكم و من ينتصر .. النيل لا يعنيه و لا يهمه على الاطلاق كل الارباب و الالهة اللي عبدها الناس حوله عبر الفيات من السنين .. مين فيهم صح و مين فيهم غلط .. مين فيهم بيعد بحياة ابدية بالفعل .. و مين فيهم خرافة .. مين فيهم فرضه السيف و الحربة .. و من فيهم بيبتسم لك و انت على ابواب العدم .. كل ما يريده النيل هو ان يصل مصر في آخر المشوار و يستريح .. و يستريح .. و يستريح .. انت كمان قد تصل مصر يوما ما و مازال في الجسد روح .. يمكن تشوف وقتها صدفة بنت من بنات زمان و تسلم على بنتها .. و تشوف في عين الابنة نفس البريق القديم .. لهذا يتحمل النيل مشقة العبور الطويل الطويل .. و الوصول اخيرا الى مصر .. لأنه دايما على يقين ان كثير جدا من السعادات ما زال فيها مخزون .. انه دايما سيجد في مصر ما يجعل ميته اكثر عذوبة .. دايما ح يلاقي فيها شيئ جديد .. و حتى لو وجد القديم نفسه .. اقدم اقدم القديم فيها هو اللي بيتحدى العالم بسحره .. حتى اذا وصلتها جثة فارقتها الروح .. ستصلها يوما ما و هذا هو المهم .. عين بتشوف مصر في اوقات الوحدة .. بتقولك ستصلها يوما ما .. كما يصلها النيل في رحلة اصعب و اطول كثير كثير من رحلتك و يستريح .. و انت كمان ستصلها يوما .. و ستسريح .. و تستريح .. و تستريح .

النص الكامل لقصيدة مرثية اوزوريس

مهداة الى ابن اوزوريس البار .. الدكتور : سيد القمني ------------------------------------------------------------------------------------------ -------------------------------------------------------- - (محاولة) --------------------------- ----------------------------------------------------------------------------- - محاولة لحصر اللي انتهى في كيميت . ..... وضع قايمة باللي ما عادش موجود ... بحجم السر اللي اطلقته للوجود ... حجم التحدي و الاثارة ... كل اللي اتراكم عبر الزمن في الصورة و الكلمة .... . على الجدران و في الخيال ...... بيتضح حجم اللي اختفى فيها و تسرب بالكامل من بين ايدينا ... بيتضح استحالة حصر كل اللي فقدناه ... و وضع قايمة كاملة بكل اللي ضاع .... بيعد القلب نفسه بشجاعة لرثاء معبوده ... اخيرا بيواجه حقيقة الغياب ... عرف الشعر معايا من الصغر طريق الشجاعة ... نعم .. كتبت قصايد المجون ... ملامسة السيقان النسائية للكتف ... و كل ما انفجر من براكين الصبا .... نعم .. شرفني المجتمع بوصف قصايدي بالخلاعة .... بالحكم برفضها .. و القرار با اجتنابها ... ... غابت ايزيس .. و قطع البدو لسان كل من يحلم بلغتها ......... من امر بذبح الابن .. امر بخنق الحلم لو اقترب من ايزيس .. لو حاول لمس خيالها ...... يكفي مرارة الكتابة بحرف فرضه .......... السيف .. فا ازاي ممكن تحمل مرارة الطاعة ؟ اطع يا شعر و اذا اقتربت من ايزيس فا اقترب وفقا للضوابط ... انتهى زمن الفوضى يا ايزيس .. لا فوضى لشعرك .... و لا فوضى .........لجسدك .............. ما عدتيش ملكة النهر .. و عادش بيتبع خطواتك ... ح يعلمك الشعر لو قرب منك المعاني الجديدة للكبرياء ... و الكرامة ..... يعلمك مثلا .. انك تكوني واحدة من دستة و انك تستني دورك بصبر ...... او رخصة ميسر للناس فيها ... متعة متوفرة كمكافأة للطاعة ... ح يفكر الشعر كل من يقلقه هاجس ان حبيبته سلمت جسدها للبدو ... ح يفكره انه امر ايزيس نفسها بالتواضع .... فليتواضع هو كمان ... و يتعايش مع المعاني الجديدة للكرامة ... ارادوا ان دي تكون علاقتي بالشعر و اخترت انا طريق تاني ... و كا فأني المجتمع بالصمت .. ... و امام رثاء المعبود .. رثاء ملك الابدية ... بيرجع الشعر للحظات التردد القديم ... و زي ما بيصعب حصر اللي فقدناه في ارضنا ... بيصعب اكثر و اكثر لمس و ادراك حقيقة الغياب ------------------------------------------------------------------------------------ ------------------------------------------------------------------ ------------------------------------------------------------- - (القائمة) --------------------------------------------------------------------------------- ------------------------------- لو عجزت عن الدخول في محاولة لرثاء المعبود ... .. و وقفت الكلمات و الصور قدام السد الخانق للغياب ... .. سد قدام الروح و اللي بتختاره ... ما اصعب التحدي ... ممكن تلاقي مدخل تاني ... بالوقوف من جديد قدام فكرة القايمة .. ... قايمة باللي تلاشى في كيميت و ما عادش موجود ... يستحيل وضع قايمة كاملة .. با اكرر .. يستحيل وضع قايمة كاملة .... بنفس صعوبة ادراك ان اوزوريس بقى بيكره ارضه .. و ان القلب بيحاول رثاؤه ... لتكن قائمة قصيرة موجزة ... ليدرك ملك الابدية صعوبة المهمة ... فقدنا كثير جدا قبل الادراك النهائي لغيابك ... فما تتوقعش ان الكلمات تسيل و الحروف تنطلق ببساطة .... بقى النيل بيجري ثقيل .. زي اعمار اللي حواليه من بشر ... ثقيلة فيها الايام و الشهور ... ما عادش من ولد وسيم في كيميت ... .. البدو جمعوا كل الصبيان اللي بتشرق ملامحهم .... ... اغتصبوا منهم اللي اغتصبوا ... و قتلوا اللي قتلوا ... دلوقت بتبحث البنت في كيميت عن ولد يهتز في داخلها الجسد لرؤيته .... ... تطلق الروح ندائها الغامض امام صورته ... ما بتلاقيش .. ... ما بينعكسش على صفحة النيل الا المداخن ... اما الفتيات ... ... جمال كيميت الابدي ... .. ملامح ايزيس ... كل ده بقى ذكرى مالماضي ... ... تمام زي ما حكت المسلات من اسرار ... ... كلها بالفعل الماضي ... ... ايزيس حاصروا شعرها ... تكره اربابهم شعر ايزيس ... تعتبره من اكبر الشرور ... ... حاصروه و بنوا حواليه الحصون ... ... ان تفلت شعرة واحدة ... ... فده امر ممكن يهدد استلقاء الآلهة على وسائد الشبع ... ... سماء كيميت الآن دون شعر ايزيس ... ... بتتفتح الزهور و تدبل دون معنى ... ... ما عدتش السحب بتقلد وجوه الناس ... لأن وجوه الناس بقت من غير لون ... .. فقدنا كل اللي كان بيدي اللون و الظل و المعنى ... ما زالت القايمة في بدايتها .. الهي و ملكي ... .. لسه القلب في بداية حصر اللي فقده .... . ... شعر ايزيس ... ... ... مش اول قائمة اللي فقدناه ... ... لكن بيضع نفسه دائما في المركز ... ... مركز الوعي و مركز الخيال .. هل ممكن تخيل كيميت بدونه ؟ -------------------------------------------------------------------------------- ------------------------------------------------------------------------------------- ------------------------------------ - (او كحل اخير فلنعترف باليأس) --------------------------------------------------- ---------------------------------------------------------------- .... او ليكن اليأس هو حلنا الاخير ... ... اوزوريس .. فشل القلب في مواجهة حقيقة الغياب ... و شبعت الروح من محاولة تتبع اثر خطوات ايزيس الضايعة على صفحة النهر .... .... و اخيرا عجز الشعر عن الرثاء .... .... ايه اللي فاضل غير اليأس ؟ ؟ ...... ... خليه يتمكن و يبقى هو معبودنا الجديد ... ... اليأس هو ان يصبح للخمرة طعم المية ... ... ان تكون للصداقة ثمن و للمحبة ثمن ..... ... يدور العاشق علي الحب في بيوت المتعة.. ... ... مطرح ما بيحل الصدق اخيرا محل الخيال . .. .... ... كل شيئ اصبح بثمن .... . و ما اسهل كلمة الحب امام الاجساد المعروضة .... .... . ليه بتبحث عن معنى للمحبة و معنى للجمال و معنى لشباب الروح ؟؟ .... ... لا شباب لشيئ .. .. فقد حل اليأس ... ... لوحده الموت ممكن يظهر لك في الحلم على صورة شاب في العشرينات .... ... لوحده الموت بيتملك العقل و يمتلك الجمال ... و يمتلك الفتنة ... ,,, .... اليأس مش لعبة بتلعب بيها الامم مرة تملكها و مرة ترفضها ... ... اليأس اذا حل و اتى و حكم ... بيبقى زي الملك اللي لا انقلاب ضده ... ... و نقبل للابد معايرة البدو ..... .. مغضوب عليكم في كيميت .. ... بده بتنادي علينا اربابهم ... ... اربابهم اللي بيصلوا لها للمطر ... ... غضبت علينا بسبب النيل ... و كتب علينا الذلة و المسكنة ... ... و مش ح تكون معايرة البدو افظع اللي بنعانيه .... .. اذا حل اليأس بتسكت سفرة العشا في البيوت ... ... بيظهر على الاب ملامح الشيب في الاربعينات ... ... بيغيب عن الام لمسة الحنان ... ... و تبدأ تعاقب الاسرة بالصمت .... ... اليأس ان يضرب الارض كلها كرباج الملل ... ... ايوة كنا ملوك العالم ... ... ايوة ... كانت كيميت شعاع النور للبشر ..... ... و النهاردة بيعايرنا البدو ان اربابهم حاصرتنا بالتجاهل ... ... ليبلع اليأس الوجود ... ... اذا كان للحقد ارباب .... خليها تسود النهاردة …. تعلا و تحكم مصايرنا ... ... نتوجه ليها بكل قلوبنا ... ... ارحم بكثير اربابهم اللي بتدبح الاطفال ... ... ارحم بكثير من اليأس لو حل كأختيار اخير ... ... ايه بالظبط كان ذنب كيميت ؟؟؟ ... ان اربابهم حبت السواد و نطقت هي باللون ؟؟؟ ... ... ان اربابهم صديقة الصياح و الضوضاء ... ... و هيا بتعشق النغم .... ... ما اكبر جريمتك انك تقفي بالجمال قدام الصحرا يا كيميت ... ح تتعاقبي للابد .. و يخنقنا اليأس للابد ... ... ما عادش شيئ واحد مهم ... ... ح نهتف في اوربا مع النازيين في مظاهراتهم ضد الاجانب فلم يعد شيئ واحد مهم ... ... و نقولهم كده غزوا العالم بالنكاح فحاولوا تتمتعوا باللي فاضل من عمر حضارتكم ... ... و ما فيش مانع كمان نترمي في السجون بتهمة العنصرية .... و نكتب هناك عالحيطان انه كانت لينا احنا كمان في يوم حضارة ….. و ما عادش الآن من شيئ واحد مهم ... ... نعم اوزوريس ... ... يظهر اليأس في النهاية كأ قوى .. اقوى .. اسلحة تأديبك ---------------------------------------------------------------------------------- -------------------------------------------------------- -(تحية) ------------------------------------------------------------------------- ------------------------------------------------------ ... تحية لجيش على ارض احمس ..... .. يتبرع بتسليم ارض اوزوريس للبدو .. .. ... لأنه علمنا اخيرا المعنى الحقيقي للفداء ... . ... .. تحية للعاملات في بيوت المتعة ..... ... هما اصدق بكثير من اللي نشروا و رددوا ان الاعدام الجماعي و السبي و غنايم الحرب كلها افعال من اسمى مراتب الشرف .... . .... تحية للسما ... فما عادش فيه شيئ بعدها بيوعدنا بقبح اكبر ..... . .... تحية للارض ... .... اتغطت فيها الفتيات المليحات و استخبت الملاحة ... .... و اباد الفارس البدوي فيها اي اثر للجمال الا ما يتم توفيره في الغرف المغلقة ..... .... تحية لكل اللي عاش مضطرب و راح اضطرابه لما عرف بقصة الارائك و العسل و قرر بشجاعة انه يترك جرح دامي على جبين الوجود ..... ... لأن بكده بيجيي الرضا و الشرف .... و هل من معنى في اي شيئ ؟؟؟ ....., الا انك تعبر عن رغبة مولاك في التدمير و الزلزلة ؟ ؟ .... .... تحية للحيرة و احنا بنسمي نهب خير بلادنا خروج للنور ..... .... تحية للي شق البحر هربان ..... ... علشان يتعبد بعدها اربابه في ذات الارض اللي هرب منها ...... ..... و اصبح على رع انه يتواضع و يسيب له حصة من صفحة النيل و الحصة الاكبر طبعا ما زالت لارباب بتعشق من الصحرا اهلاك القرى ...... .... ح نرفع ايدينا بالتحية و قلوبنا بالتسليم .. .... السنابل سنابلنا و القمح قمحنا .... ... و اللي بيعد و يجمع و يخزن هو الغريب اللي جاي من الجوع ..... .... و نحسب و نعد و نحصب و نجمع اللي جه ارضنا بالجوع و السيف علشان يعلمنا ان ايزيس هي زي الكولونيا من متع الدنيا ...... .... و نتعلم ان رمي البذرة في الارض ضعف و خنوع و الشرف ان يزرع غيرك و تاكل بسيفك .... . .... و نشوف في جمع النساء الزهد ... ,,,, و في رفع السيف و الضرب بالرمح الوان من العطف ..... اما التسامح فله التحية الاكبر ... .. ح نقتلك لو كتبت شعر المجون و قتلك هو الرحمة .... ح يعتقك القتل من ذنب الشعر .. ... فليحيا التسامح .... …. و تركع كيميت بكامل نيلها في اتجاه بير من آبار الصحرا .... .. .... ايه اكثر من كده دليل على القدرة ؟ نعم تحية للقدرة و القدير و يتعود الكف الابتسام للقيود .. و ترتفع الايادي بالتسليم ... ما فيش ارهاق في الموت .... يا ارواح كيميت المسجونة في مومياتها .... ... ما فيش ارهاق في الموت .. حتى مع اعتياده . ------------------------------------------------------------------------- ------------------------------------------------------------ - (بعض الكره) ----------------------------------------------------------------- ---------------------------------------------------------------------- او ان الشباب بيرحل او رحل .. و بترثي النفس صباها برثائك ؟ .... ... هل اوزوريس اللي يأست الروح من انه يحل و يطرد العطش ؟؟؟ ... يزيح السراب من العين و الغبار من القلب ... ... يزيح كل اللي بيفكرنا بالصحرا ؟؟ .. .. ام ان كل اللي كان بيطير و يعلا في الروح في ايام الشتاء .. .. فتبعت اجنحته للنفس الدفا ... .. كل اللي ضاع مع تراكم السنين .. و فتوة الجسد بتقرب من الرحيل ... كله بيعلن في النفس برثائك عن اختفاؤه النهائي .... ... و المدهش ان اغرب اللي بتندم عليه الروح انها ما امتلكتش في ايام صباها شوية كفاية من الكره ... . ... اعتبرنا الكره شيئ من لوازم القبح .. ... لمسة حورس الخفية للقلب .. طلبت ان ما يسيبش الكره فيك عمقه ... سابت بصمتها اللي ادت الجسد بريقه .. .. مدت خيال الروح بكامل عنفوانه .. ... قالت : ح تشوف البنت ظل الكره في عينيك .. . مش ح تفتح لك ابواب الفرح كاملة .. . ... مش ح تفتح لك خزائن الجسد من غير حذر .. ما بتحبش بنات ايزيس خيال الكره .... ... سلح عينيك بس بالابتسام .... و خللي الكره بس للعطش .... ... ما يستحقش الكره على ضفة النيل الا العطش .... ... لما كانت ايدي بتلمس كل نهد وتنعشه بالنعومة .. ... لما كانت الشفايف بتتلاقى برعونة و تعدم جوانا الخجل .... ... لما كانت الاجساد بتتلاحم و يمتزج العرق بلهيب الندا الغامض ... ... ما كانش في الوجود كله ابعد من الكره ... ... دلوقت و الجسد بيترنح فيه الشباب على اعتاب العدم .... ... و الروح بتسأل عن اكبر اللي فقدته مع تراكم الايام بين كل ربيع و التاني .. . ... بيخطر على بالي ان شوية كره كان ممكن تنقذ بعض اللي ضاع .... ... يا ريتنا اتعلمنا اننا نكره ان يكون على ارض كيميت شيئ مقدس غير النيل و حراسه .... يا ريتنا كرهنا صياح الديك في فجر كيميت بلغة الاجانب .... ... يا ريتنا كرهنا احتفالية الارباب بالضوضاء مع كل فجر ... ... بيحتفلوا بالزعيق و كأنه سحر الوجود الاكبر ... ... يا ريتنا كرهنا مواصلة النوم .. ... يا ريتنا حقدنا و لعننا التعود .. و عرف الفك طعم لمسة قليلة من غل .... ... ... اننا نتعايش مع الضوضاء في فجر كيميت بدل الصوت الهادي لخطوات ايزيس على النهر و هي بتستقبل الشمس ... . ... و نتعايش و نتعود و نمر و نستمر ..... ... يا ريتنا كرهنا اننا نغازل حبيباتنا بلغة اللي سرق سنابل حقولنا .... ... يا ريتني مرة و انا بين اصدقائي الشعراء .. .. عبرت بكلمة او حتى اشارة عن احساسي بشعر مكتوب بحرف غرسته الحربة ... .. .... يا ريتنا كرهنا ان تتفرض علينا المحبة .... ... اننا نحب بالغصب اسماء القرى الغريبة .... اننا نتسجن لو قلنا : ما فيش مكان برة كيميت ما هو جدير بالمحبة .... ... قليل من الكره كان ممكن شوية يعكر صورة ايزيس على صفحة النيل ... ... لكن كان ح يدينا الغضب الكافي .... ... اننا نقطع رقاب الابل الغريبة .... ... .... اللي بتشرب من ميتنا و كأن ده حقها المقدس ---------------------------------------------------------------------------- ----------------------------------------------------------------------------- - (و في غيابه نواصل الانتظار) و نواصل الانتظار ...... ................... ... ان ام تفرح بقتل ابنها للناس على القهاوي .... ان بنت تفرح بتفضيل راجلها ليها على باقي جواريه .... ان يتعاقب الوش النسائي على رؤية الشمس .... او يرتكب شعر المرأة جريمة الظهور ... ان الطفلة مع تفتح وعيها تحس الفرح انها مكرمة بالظبط زي الحصان و الكلب .. .. مأمور الناس برفق معاملتهم .... و نواصل الانتظار .. ...... استخبت ايزيس و اختفت و ما قدرتش تتعايش مع وافر التكريم .. ... انها تكون درة او لؤلؤة ما كانش ابدا في افق طموحها .... ما قدرش اوزوريس يطلبها في بيت الطاعة .. .. ... و نواصل الانتظار .. ... فرسانهم بيتجوزوا بسهولة رفع السيف عالرقاب .. ... و ما اعظم حظ امتلاك السبايا .... ..... .. و نواصل الانتظار .. ... ... و تتعلم يا خوفو ان كتابك لا شيئ ... .. و حتى هرمك لا شيئ ... ... يا ريتك غطيت هرمك بالسواد .. يمكن كان يتكافئ ببعض التقديس .... .... السواد هو اللي بيخللي الافق جميل .. و القلب مضيئ .. فين السواد في هرمك يا خوفو ؟ .. و نواصل الانتظار .. .. ---------------------------------------------------------------------------------------------------- -------------------------------------------------------------------------------------- - (فارس كيميت و البطولة) - ---------------------------------------------- ------------------------------------------------------------------- .... هل بطولة انك ترمي نفسك بين انياب الديابه .. .. .... اصبحت النهارات حوالين الهرم مرة . ,, . ...اما الخمرة فضاع منها حتى الطعم المر .. ... اصبحت و المياه شيئ واحد .. ,,, ... قالوا فين فرسان كيميت ؟؟ ... فين سيف حورس و فين نبض البطولة في حضرة ابو الهول ؟؟ .... ... صعوبة السؤال اننا بنقف فجأة قدام عبثية اللعبة .. ... فرسانهم موعودين بعذراوات لا يفقدن العذرية .. ... اما احنا فبغياب اوزوريس فما فيش معنى لا لجحيم و لا لنعيم .. ... و لا طعم حتى للانتصار .... ... و مرة النهارات حوالين الهرم .. ... مرة بطعم متجدد للمرارة .. ... كل شمس على تراب كيميت .. بتطلع على غياب مجد اوزوريس عن ترابها .. ,,,, .... غياب ملامح ايزيس من اوراق الشجر و صوتها من همس العشاق .. ... حتى البطولة بتفقد طعمها .. .... ما بتكونش اكثر من فعل انتحار مجاني .. ... بيرمي الفارس نفسه للذئاب .. ... و تلتهم كيانه انياب التوحش ... ... و يعبر النيل و يراقب ... ... يمكن يتعلق فارس بشعر حبيبته .. ... تمده انفاسها بنشوة المعركة و التحدي .. .. ... اما فارس كيميت فما فيش شعر يلهب خياله .. ... بدلوا البنات في كيميت بكائن غريب .. ... من غير شعر و لا قوام و لا تساؤل .. ... ... من غير اثارة .. ممل زي ليالي الصحرا ... ما فيهوش سحر ايزيس ... و متعايش بالكامل مع التكريم .. ... ما فيش شعر بيتعلق بيه الفارس في كيميت و لا خيال .. ... و لا حتى اثارة للمعركة ... بس ديابة و انياب .. و انتحار مجاني على اعتاب البطولة .... ... ايه المنقذ اذا نسيتنا روح اوزوريس ؟؟؟ ... ايه المهرب من المرار و الملل حوالين الهرم .. ... يا ريتنا نقدر نفرح بوصف النعيم .. ... يا ريت ارواحنا متعايشة مع العطش زي ارواحهم ... فتكون انهار اللبن غاية طموحنا .... ... يا ريت معنى البطولة في كتب الهة كيميت هي كمعنى البطولة في كتبهم .... ... ان الدم يسيل ..... فتفرح الالهة . ,, ... .... كان ممكن وقتها يبقى فيه معنى لالقاء النفس بين اياب الديابة ... ... ما بيفرحش اوزوريس بدمنا و لا بيستناه ... ... ياريت لو كان سؤال .. نفشل في اجابته فتنتهي القصة و نرتاح اخيرا في الجحيم الابدي ..... انك تستحق انك تكون بطل من ابطال كيميت ... ... اوزوريس الهي و سيدي .. ... ما اصعبها من غاية .. و ايوة ارهقنا التعب . ------------------------------------------------------------------------------------------- ----------------------------------------------- - (انتظار) -------------------------------------------- --------------------------------------------------------------------- ---------------------------------------------------- ... اذا نفخ اوزوريس من روحه على كيميت .. ... مش ح تقف قدام نفخته كل تلال الصحرا .. .. ... بيعاقبنا بالغياب .. و الانتظار ... ,,, ما كناش ابدا قد جمالها .. .. .. و لا استحقينا سحرها ... ... و لا قدرنا نوفي بشرط البطولة .. .. ... و مش ح يسطع علينا فوق ترابها ابدا مجد اوزوريس .. .. بتتشبه لي حالة انتظارنا النهاردة في كيميت .. ... بمشهد ما حكيتهوش اي جدارية من جدارياتها .. ... ما وصفتوش اي بردية قديمة .. ... ما تمش سرد تفاصيله فوق مسلة او على نصب .. ... لكنه مع ذلك واضح قدام عيني بوضوح النيل ذاته .. ... ... قوية خطوطه بقوة و ثبات بقاء النهر على صفحة الارض .. ... .... مشهد واقف فيه اتنين من ولاد كيميت .. ... اولهم حارب مع الملك "سقنن رع" ومن بعده الملك احمس .. .. ... داق طعم انه يغرس سيفه في جسم اجنبي دخل كيميت و هو مسلح .. ... عرف مناجاة بنات ايزيس بلغة ملوك كيميت .. ... ضربت وشه الريح بين البحرين ... و من مكان ما بيوصل النيل كيميت محمل بالتعب .. فيستريح في ضيافة آلهتها ... و تبقى فجأة ميته عذبة اكثر .. .. و لونه ازرق اكثر .. و ياخد عمقه طعم الميلاد ... ... ضربت وشه الريح من غير ما يعكر صفاءها اي نفس لأجنبي .. ... و من غير ما تشيل صوت لحرف واحد مسموع غريب عن لسان تحتمس و كهنة رع .. ... عرف طعم و معنى ان تشيل السفن للدنيا اخبار عجائب كيميت ... ... اخبار دماء الغزاة الاجانب .. ... و مباني و جدران نطق فيهم الحجر بمجد اوزوريس ... ... و اما التاني فتربى على مدح قادة الغزاة و تسميتهم بالسادة .. ... على ان النظر لكيميت على انها مركز الكون يعتبر رذيلة و سقوط ... ... الآلهة الغريبة بنت بيوت في الصحراء حوالين آبار مهجورة ... ... هناك مركز الكون و اقبل يا ابن كيميت مرارة الطاعة .. ... اتعلم انك تمشي في الضل ... ... تفاخر با اتقان لغة الاجنبي .. .. و سمي الجباة بالهداة .. ... و يقف الولدين في مشهد واحد في انتظار نفس اوزوريس .. .. ... مش غريب ان يتأخر النفس و تغيب نفخة روح ملك الابدية ... ... مش ح تهب انفاس اوزريس على الاتنين معا .. ...ابدا ... .. ابدا .. ... مش ح يجود السيد با انفاسه على الاتنين معا . .

- سكوتش ويسكي -

...... جوني ووكر في واحد من اعلاناته .. بيقدم للمستهلك نصيحة : ....( استمر في السير ) ................... .... غريبة تكرار نفس الرسالة في افلام و مسلسلات و اغاني .... ............ كأنها حكمة انسانية صافية .. .... مش بديهية من بديهيات الحياة الاولى .. ...من الصغر بنعرف الالم كأول حقايق الحياة . ,, . ... و نقع و نتخدش و نتربط و نقع تاني و نتخدش تاني .. .... و نكبر مع الالم .. و ما بيكبرناش كل مرة الا الم اكبر .. .... عزيزي منتج الاسكوتش الاشهر .. .... منتجك جيد من غير رسايل وعظ ساذجة .. نقطة مية بتجمل مرارة الطعم .. .... زي ما نقطة امل بتعدي مرارة اليوم .. ... يا ريت بدل ما تنصحنا نواصل المسير .. .... تعلمنا نحب من غير الم .. ... ازاي ما نخجلش لما نكتشف السلطة اللي بيمتلكها علينا اللي بنحبه .. .... و لما نكتشف سلطتنا احنا على اللي احبنا .. ما نسارعش لتبديدها مجانا .. .... ما نفرحش لسقوط الآخر .. نحاسب النفس كل ما نظبطها متلبسة بالفرح لسقطة الآخر ..... .. نمتلك شجاعة معاملة الناس برقة .... .. .. ننزع من جوانا الشعور بالرقة على انها سقوط الذات الاعظم ... .... نبص لبكرة مش على انه كائن جاي اكيد يفكرنا با اخطائنا .. .. .... نقطة مية .. و نقطة امل

اللوحة .. قصة لأدجار الآن بو .. الترجمة من النص الانجليزي الى العامية المصرية لبهاء عواد

. جبال الابنين في ايطاليا ، كان واحد من القصور المهجورة المنسية من زمن ، المتناثرة هناك بين الوديان ، مدام رادكليف كان رأيها انه باين من منظره ان اصحابه هجروه من فترة مش بعيدة ، بل و يمكن كمان بصورة مؤقتة ، الخدام كان لازم يكسر الباب بالقوة علشان نقدر ندخل ، و اعفاني بده من قضاء ليلة صعبة في الهواء الطلق ، و انا في حالة مرهقة و منهكة ، استقرينا في واحد من اجنحة القصر الاصغر حجما .. و الاقل فخامة في الاثاث .. موقعها منه في مكان متوسط محوري ، اثاثها كان ثري ، و مع انه واضح انه اثاث غالي ، لكن كان شكله اثري و متبهدل .. الحيطان كانت متزينة بالنقوش و متغطية با انسجة ، و منتشر عليها النياشين و الاوسمة و اللوحات التذكارية ، كل ده مع عدد كبير - غير طبيعي - من اللوحات التشكيلية اللي بتجسد مدارس من الفن الحديث ، كلها محطوطة في براويز ذهبية راقية ، مش بس على الحيطان الرئيسية ، لكن كمان الاركان و المنحنيات اللي بتشكل التصميم العجيب للقصر ، كلها متغطية باللوحات ، كل ده اثار اعجابي بشدة .. لدرجة ان دماغي لفت ... كمان لقيت كتيب صغير بيشرح اللوحات نفسها و اسماء الرسامين ، قلت لبدرو يقفل الباب الثقيل للاوضة اللي انا استقريت فيها ، و بما ان الوقت بقا ليل ، قلت له يولع الشمعدان الكبير ، اللي كان محطوط جنب السرير بالظبط ، و يقفل كل الستاير .. و يشيل كمان الناموسية اللي حوالين السرير .. قلت كده اقدر استمتع بالفرجة على اللوحات .. كانت جميلة لدرجة تفوق الوصف ، و اتصفح في الكتيب لغاية ما يجي النوم . قريت طويلا .. طويلا ... قريت قراية طويلة و متعمقة .. قريت بذمة و بتركيز .. و انا با اتفحص مع القراية اللوحات نفسها و اقارنها باللي مكتوب .. الوقت طار طيران ، لغاية ما حل منتصف الليل بكامل عمقه ، موقع الشمعدان ضايقني ، كنت با امد ايدي بصعوبة علشان يقع ضؤ الشمع عالصفحة ، و بدل ما ازعج الخدام اللي اكيد مرهق و بيستريح ، قلت اغير انا موقع استلقائي على السرير ، بحيث يقع ضؤ الشموع مباشرة على الكتيب .. اللي حصل ان الحركة نتج عنها اثر غير متوقع بالمرة ، ضؤ الشمعدان .. و كان شموعه عددها كبير ، لقيت اشعتها استقرت في زاوية من الغرفة ما كنتش عيني وقعت عليها قبل كده .. زاوية منسية بين ظلال اعمدة السرير ، و لقيت عيني بتقع على لوحة ما لاحظتش وجودها نهائيا ، كانت صورة لبنت في مقتبل العمر ، عبرت بنظري عاللوحة بسرعة .. و بعدين قفلت عيني .. ليه قفلت عيني ؟ السبب اللي خلاني اقفل عيني ما كانش واضح حتى في ذهني انا شخصيا .. لكن في الفترة اللي كانت عيوني فيها مقفولة ، ادركت بيني و بين نفسي السبب اللي خلاني اغمضهم فجأة ! كانت حركة لا ارادية بيوفر فيها الذهن لنفسه وقت للتفكير .. وقت للادراك .. للتأكد ، من ان نظري ما خدعنيش ، وقت علشان اهدا فيه ، و اجهز نفسي لنظرة تانية اعمق و اوضح .... بعد لحظات قليلة .. وجهت نظري تاني بتركيز على اللوحة . اللي انا شايفه دلوقت بشكل واضح و مباشر ، مش ممكن ابدا عقلي يشك فيه ، الشعاع اللي وقع من الشمع على قماشة اللوحة .. بدد في لحظة خدر النوم اللي كان بدأ يتسلل لجفوني ، و رجعني فجأة و بشكل نهائي .. الى حالة كاملة من اليقظة . اللوحة .. انا قلت ده قبل كده .. كانت لبنت في مقتبل العمر ، بورتريه علوي بس للوش و الاكتاف ، ستايل ايطالي شهير ، غني في التفاصيل .. الذراعين ، الصدر ، حتى نهايات الشعر اللامع .. كل ده تدريجيا بيدوب في ضل غامق و عميق بيشكل الخلفية الغامضة للّوحة ، البرواز كان بيضاوي .. لونه دهبي غني ، و مزخرف بالكورسيه . لو ح نتكلم عن الفن ، ما فيش حاجة ممكن تكون مثيرة للاعجاب فيها اكثر من فن التصوير نفسه ، بس مش ممكن يكون الدقة و الاحترافية الواضحة في العمل .. و لا الجمال الهادئ الخالد في هذا المحيا المرسوم .. .. و لا الغرابة و الغموض في التصميم ، في التظليل خصوصا .. في اللوحة بكاملها قماش و برواز ، مش ممكن كل ده يفسر حقيقة ..... ان في حالتي دي مع اقتراب النعاس .. لوهلة خاطفة جدا اول ما عيني وقعت عاللوحة ... تصورت ان الوش ممكن يكون لأنسان حقيقي ! المفروض ان وجود الوش بين برواز ، حقيقة وجود اللوحة على الحيطة في بروازها الغني في تصميمه ، يكون منع اي تصور بهذا الشكل مهما كان سريع و خاطف ، و مهما كانت جفوني مقرب منها النعاس ، لكن حقيقة ان في وهلة خاطفة جدا ، تصورت فعلا رغم كل ده ان الوش لأنسان حقيقي عايش و بيتنفس ، الحقيقة دي .. هي اللي خلتني .. و لمدة يمكن تزيد عن الساعة ، خلتني استقر على حافة السرير و رجلي لامسة الارض ، نص واقف و نص قاعد ... و نظرتي بالكامل متثبتة على اللوحة . في النهاية .. بعد ما حسيت با اني متأكد من عمق السر اللي بتأثر به اللوحة في اللي بيشوفها .. استلقيت على السرير تاني ، اكتشفت ان التعويذة السحرية الخاصة باللوحة دي ، موجودة في الانطباع المرسوم على الوش ، انطباع مؤكد بالسعادة ، بالاعجاب بالحياة . في الاول بيفاجأك الانطباع ، و بعدين بيربكك .. انطباع هادئ مستخبي بين تفاصيل الوش ، بيتسلل ليك ، لغاية بعد المفاجاة و بعد الارباك .. في الآخر بيأسرك و يملكك . و انا في حالة عميقة من الرهبة ، رجعت الشمعدان تاني لموقعه السابق ... و بالتالي .. السبب في الاثارة الكبيرة اللي انتابتني .. بقى خارج نطاق الرؤية ... فكرت ان الكتيب اللي بيشرح اللوحات و تاريخها اكيد متكلم عن اللوحة دي ، دورت في صفحاته بشغف على الرقم المتثبت على البرواز .. لغاية ما لقيت الفقرة المكتوبة عن اللوحة .. اتعدلت في السرير .. و على الضؤ الخافت للشموع ... قريت الكلمات الغامضة و المثيرة التالية : - كانت عذراء من نوع نادر من الجمال .. على قد ما كانت جميلة .. كانت محبوبة و اي مكان بتروحه بتملاه بالسعادة و الغبطة ، و شريرة و حزينة كانت اللحظة اللي شافت فيها الرسام و وقعت في حبه .. و اتجوزته .. هو من الناحية التانية . .. كان طموح .. مجتهد و مواظب على الارتفاع بموهبته .. متزمت في غروره و فخره بالحد اللي واصلة له الموهبة دي ، هي .. جميلة من نوع نادر من الجمال .. محبوبة بتملا كل مكان تروحه بالبهجة .. وشها مشرق دايما بالنور و الابتسام .. مليانة بالدلال و الفرح بحب عريسها الفنان ليها .. الحاجة الوحيدة اللي كانت واقفة في طريق السعادة الكاملة عندها ، كانت : الفن .. الفن كان ضرتها ! الفرش و الالوان و عدة الرسم .. هي دي الحاجات اللي كانت حارماها من اهتمام جوزها و حبيبها الكامل .. هي دي الحاجات اللي كانت حاسة ان الجزء الاكبر من وجدانه متجه ليها .. اكثر حتى منها هي .. اكثر من زوجته و حبيبته .. علشان كده كان صعب بالنسبة لها انها تسمعه بيطلب منها انه يرسم لها هي نفسها بورتريه .. لكن مع ذلك .. قعدت علشان يرسمها بتواضع و امتثال .. لاسابيع و اسابيع طويلة .. في البرج العالي من الفيللا .. البرج اللي كان الرسام عامله اتيليه .. مخصصه للرسم با ضائته الخفيفة اللي جاية من السقف ، قعدت لاسابيع قدامه بسكون و طاعة ، بينما هو .. اللي كان معتز جدا بمجده الشخصي في الرسم .. واصل العمل في اللوحة بتركيز كامل ، ساعة بعد ساعة ، و يوم بعد يوم و اسبوع بعد اسبوع ، كان فنان طموح ، طموح متوحش من غير حدود ، حط كل طموحه و فنه في اللوحة ، غاب عن الوجود بالكامل في الفترة اللي كان بيشتغل فيها ، ما كانش فيه حاجة في الدنيا ممكن تلفت انتباهه غير الريشة و الالوان و اللمسات اللي كان بيضيفها عاللوحة ، ما لحظش في الاضاءة الخافتة اللي نازلة من السقف .. التغير اللي بدأ يحصل على وش حبيبته ، التغير اللي بدأ يزحف من روحها و يبهت على وشها ، كله لاحظ الشحوب اللي بدأ يظهر على وش العروسة .. كله الا الفنان اللي كان تركيزه الكامل في الدنيا مصبوب عاللوحة ، و رغم الشحوب .. استمرت تقعد قدامه يرسمها .. ساعات .. و ايام .. و نفس الابتسامة على خدها ، من غير ما تشتكي من ملل او تعب ، لأنها شافت ان الفنان .. اللي كانت شهرته كل يوم يتزيد و بتزيد عن اليوم اللي قبله .. مليان بالبهجة و الحماس و هو بيشتغل في اللوحة ، و هي اللي بتحبه و بتحب تشوفه سعيد .. ما قدرتش تشتكي و تقطع سعادته و حماسه ، و فضلت تزداد كل يوم ضعف عن اللي قبله ، فضلت روحها تنزل بصمت مع جسمها اللي بيضعف ، كل اللي شاف اللوحة و هي بتكمل ، اتكلم عن مدى صدقها في الشبه ليها ، زي ما تكون انسان بجد ، كانت اللوحة بتخطف البصر و ما بتسيبش لحد الفرصة يلاحظ شحوب البنت و حالتها اللي بتنزل تدريجيا ، و مع اقتراب انتهاء الشغل .. ما بقاش فيه اي حد ايا كان ، مسموح له بدخول البرج .. و استمر الرسام في العمل ، و هو مسحور بفنه و بالمدى اللي وصلت له موهبته في اللوحة ، منع اي حد من الدخول و هو في المرحلة الاخيرة ، في الايام الاخيرة ، حتى ان عينه كانت بتترفع عن قماش اللوحة بشكل خاطف ، و ايده بتتمد بالريشة ، كان كل تركيزه على اتمام العمل و خرج من نطاق رؤيته بالكامل درجة الشحوب و التعب اللي وصلت ليها حبيبته . خرج من نطاق رؤيته بالكامل ، ان اللون و الاشراق اللي ملا به وش حبيبته في اللوحة ، خرج من وشها في الحقيقة ، و بعد مرور ايام على الحالة دي ، و بعد ما خلاص ، ما فاضلش على انتهاء اللوحة غير فرشة او اتنين فوق البق ، و هنت خفيف فوق العين او هنا او هناك في الوش و الشعر ، الحبيبة ارتعشت روحها رعشة نهائية زي الشعلة ما بتهزها نسمة هوا في فتيل اللمبة ، و اخيرا ، الفرشة الاخيرة اتحطت ، و آخر اللمسات كملت ، و لمدة وقف الرسام زي ما يكون في رؤيا او متنوم مغناطيسيا ، وقف قدام شغله اللي انتهى ، قدام اللوحة اللي كملت ، و بعدين ارتجف من الاثارة ، وقف زي المرهوب من روعة العمل ، و بعدين لقا نفسه بيزعق بصوت عالي .. بيصرخ و هو باصص للوحة : دي الحياة نفسها ، دي بالتأكيد صورة حية قد الحياة نفسها . ... بص فجأة لحبيبته علشان يشوف اثر اللوحة الرائعة عليها ........ كانت ميتة .

( وحش آدمي ) قصة قصيرة بالعامية المصرية

1 ------------------------------------------------------------------- ---------------------------------------- كلمة في خناقة في الشغل قلبت حياته بالكامل ، في المعتاد ممكن كلمة تفضل في الذهن يوم او يومين ، يفكر فيها الانسان شوية و يقول لنفسه كان لازم ارد اقول كذا ، ما كانش المفروض اسكت كان لازم اقول كذا ، يوم او اقل و خلاص ، تروح و ييجي غيرها ، لكن الجملة دي بالذات مش قادرة تسيب ذهنه ، بقى يتحاشى زميلته اللي قالتها زي ما تكون بلطجي كبير من بلطجية عصابات المافيا الايطالي ، يشوفها طالعة السلم من مكان يلف من مكان تاني ، بقى يرهبها و يخشاها زي تلميذ في ابتدائي بيتحاشى مدرس مشهور بالشدة ، موضوع الخناقة تحول خلاص لمديرهم للفصل فيه ، كل اللي بيتمناه من ساعتها ان ما يحصلش سبب في الشغل يستوجب تعاملهم تاني ، و لو حصل فالمؤكد انه مش ح يخلق معاها سبب للخناق ، اللي هي شايفاه لازم يتعمل ح يعمله و خلاص . الموضوع بدأ بطلب من اسرة مهاجرة من المجر لاعانة اجتماعية ، اللوائح الالمانية بخصوص المواضيع دي معروفة و الشروط اللي بتقدم معونات من خلالها الحكومة الالمانية عموما و حكومة المقاطعة خصوصا هي شروط واضحة و هو بيطبقها بحذافيرها بدقة ، دقة زيادة شوية يمكن ، او يمكن هو دايما بيكون في الجانب الاصعب و الاشد في كل حالة ، بس هي دي طريقته في الشغل و ما فيش اي توجيه من رؤسائه او اي ملاحظة عليها من سنين ، طلب الاعانة للاسرة دي كان متحول من ادارة تانية ، با اشراف و متابعة من الزميلة اياها ، و توصية منها با استحقاق الاسرة دي للاعانة ، الحقيقة ان الطلب ده بالذات كان من الطلبات اللي اشر على زيها كثير بتوفر الشروط ، بس في الوقت نفسه فيه كمان اسباب ممكن تخليه يشير بعدم توفر الشروط ، طلب في المنطقة الرمادية اللي لو شديت فيها ح تلاقي اسباب للشدة ، ايه اللي خلاه يحط التأشيرة بعدم توفر الشروط ؟ ده السؤال اللي بيلح عليه كل ما يفكر في الموضوع ، قبل كده علاقتهم كانت عادية ، يعرف عنها انه مطلقة ، انها اصلا من بولندا ، ابتسامات صباحية و تبادل تحية ، مناسبات مختلفة تانية حصل فيها تقاطع في مهمات العمل ، تعاملهم كان مرح و سلس ، كل ما بيفتكر فترة قبل الخناقة بيفتكر انه كان بيحترمها و بيعجب با اسلوبها و طريقتها في العمل و في التعامل عموما ، ايه اللي خلاه يصطدم بشكل مباشر بتوصية ليها في الشغل ؟ و خصوصا انه كان ممكن جدا الاتفاق مع زاوية رؤيتها للمسألة ، كان لازم يعني يحبكها ؟ احتدت المناقشة بينهم هي بتحاول تؤكد له انها اسرة متوفر فيها كل الشروط ، و هو ماسك في القوانين و الهوامش اللي بتشرح القوانين ، فجأة بصت له ، ركزت في عينيه ، التقت عينيه و عينيها لعدد من الثواني لغاية ما حس بالحرج ، و بعدين بوووم ، كالقنبلة ، قالت له الجملة بهدؤ و ثبات ، ببساطة زي ما تكون بتقول حقيقة من حقايق الوجود انت مش ممكن تكون انسان ، انت وحش آدمي . --------------------------------------------------------------- ------------------------------------------------------------------------- 2 -------------------------------------------------------------------- السبت ، واحدة الظهر ، لسه في السرير بيصارع النوم و اليقظة مع بعض ، لو عايز تسمي ده نوم ، هو في الواقع سلسلة من الكوابيس ، عنده رغبة بتشده انه يسيب السرير اخيرا و ينطلق الى اي شيئ ممكن يتعمل في يوم اجازة الاسبوع ، و رغبة تانية بتشده اكثر للسرير ، تحديدا عايز يفتكر بالظبط النقطة الحرجة في الكابوس ، النقطة اللي بيصحى بعدها ، بمجرد ما بيصحى بتكون واضحة تماما قدامه ، ثواني و بتتلاشى ، يبلعها النسيان مع الحضور القوي لليقظة و للواقع في الاوضة الضلمة ، حاول يركز اكثر و كل ما يزيد التركيز يزيد تصاعد بقايا الكحول في راسه ، هانج اووفر الصباح المعتاد كل سبت ، لازم يقوم من السرير و يبدأ طقوس العلاج الصباحي المعتادة و الا ح يقلب بصداع ح يبلع باقي اليوم ، بالتدريج بيبدأ يفتكر ، ايد بتحيط بعنق ، ايد انسان بتحيط بعنق انسان تاني و تضغط و تعصر ، اللي مش واضح بالظبط هو مين اللي كان بيخنق بالظبط ؟ هل كان الكابوس انه هو بيخنق شخص تاني ، و الا بالعكس ، اليد هي يد شخص تاني و هو اللي بيتعرض للخنق ؟ في اللحظة اللي حس فيها انه على وشك انه يفتكر فا جأته الخبطات على باب الشقة ، خبطات سريعة متعاقبة كل خبطة فيها بتنزل على راسه زي شاكوش لا يرحم ، لازم يقوم من السرير ، مش صوت خبطة حد ح يزهق و يمشي ، ده شخص جاي و مصمم يصحيه ، و كأن كل اللي هو فيه مش كفاية . بقدرة قادر و بشكل ما لقى نفسه واقف على رجليه ، دوار ، دوخة و بوادر صداع ، كل ده عادي و معتاد ، الفوضى المعتادة الهدوم المنتتشرة في انحاء الاوضة ، اما اللي مش معتاد فهو النسيان ، ازاي و امتى وصل البيت ، آخر حاجة فاكرها انه كان في البار مع اصحابه ، امتى سابهم و امتى روح ، نسيان من بتاع ايام زمان ، بلاك اوت على ستايل زمن الدراسة و الجامعة ، معقول يا جدعان ، مش كبرنا بقى عالحاجات دي ؟ فتح باب الشقة ، و زي ما توقع كان مايكل هو اللي على الباب ، دخل بصوته العالي و لغته ، هذا الخليط بين الانجليزي و الالماني " ما زلت نائما كالعادة ، عندنا في رومانيا يسمون النائم حتى الظهر بديك القش ، لانه لا يقوم بواجبه الحياتي كديك و لذلك فهو ديك من قش ، بدل ملابسك و هيا يا صديقي " قالها بالالماني زميلي ، كلفظ مستخدم بين زملاء العمل او الدراسة مش صديق زي ما هو بيقصد ، رمى نفسه على الكنبة و بدأ يرغي ، مش كفاية الصداع و الهانج اوفر كمان لازم يركز في المانية مايكل الخليطة و قصصه الصباحية ، في خلال خمس دقائق كان حكى بالفعل في قصتين و اكثر من موضوع ، و هو بيتكلم جاء شعور مؤكد ان الكابوس كان هو اللي بيخنق فيه شخص تاني ، كان هو اللي بيخنق مش بيتعرض للخنق ، اكيد بيخنق شخص رغاي زي مايكل ، في الحالة دي ما يبقاش كابوس بالتأكيد " لا تجلس ، لا تجلس ، لو جلست فسيصبح من الصعب عليك اكثر التحرك ، اهبط مباشرة تحت الدش ، ارتدي ملابسك و لنخرج و للتعرض للشمس ، و اخيرا في المقهى ، البيرة الصباحية ، هذا هو العلاج الامثل ، العلاج المجرب " غصبا عنه جلس ، شيئ ثقيل بيشد راسه للاسفل ، ياريت كان يقدر النهاردة على هذا العلاج ، الكابوس ، البلاك اوت ، النسيان الكامل لظروف رجوعه للبيت و ايه اللي حصل تحديدا في آخر الليلة ، شيئ ما مختلف السبت ده " لا اعتقد اني سأ ستطيع المجيئ اليوم ، قل للرفاق اني في وعكة " " وعكة ، اي وعكة ، تبدو في صحة جيدة ، فقط بقايا الشراب من الامس ، لا تكن سخيفا " " عانيت من كوابيس الليلة الماضية ، لا اشعر اني في حالة نفسية جيدة ، بالمناسبة هل تتذكر متى غادرتكم الليلة الماضية ، هل حدث شيئ غير اعتيادي " ما سمعش السؤال بالتأكيد او ما اهتمش به ، لانه بعد آخر جملة قالها ظهر عليه انه افتكر حاجة ، و طلع تليفونه و بدأ يقلب في التطبيقات اللي فيه " تطبيق جديد ، رخيص حتى انك تستطيع ان تعتبره مجاني ، يحدد لك الارقام الستة مع الرقم الخاص بعدد سداسي في المرة الواحدة ، افضل كثيرا من الحسابات و التجريب و من كل التطبيقات المشابهة ، و الاهم من كل ذلك انه مجرب ، جربه صديق لزميلنا هاينز و ربح ستة آلاف يورو في سحب في يوم اربعاء ، اصاب اربعة ارقام صحيحة من الستة " الافضل فعلا انه ينزل تحت الدش و يبدا اليوم ، طالما مايكل بدأ يتكلم عن اللوتو و سحوب اللوتو ، و طالما من الواضح انه مش ناوي يمشي ، لا جديد على الاطلاق ، فكر و المية الباردة بتنساب على جسمه و تطارد بقايا النوم من كامل كيانه ، فكر ان لا جديد على الاطلاق يحيط بهذا الكيان ، هي نفس الشلة في الشغل و السهر في نهاية الاسبوع و في صباحات الاحد ، مايكل و الحديث اللي ما بيخلصش عن سحوبات اللوتو كل سبت و اربع ، ايه الارقام اللي اتكررت و ايه الارقام اللي بقى لها مدة ما جتش ، اخبار الكورة منازعات الشغل ، و انت وحش آدمي ، انت مش انسان ، هل ممكن يكون فعلا بهذا السؤ ؟ وحش مستتر كامن جواه ، ليه ما بيهتمش بشيئ ، شيئ واحد بس يهتم به بشكل حقيقي ، شيي و لو حتى هايف زي مايكل و اللوتو و حلم الثراء المريح ، مش ده اللي بيعمله الناس الطبيعيين ؟ ان يكون عندهم اشياء او حتى شيئ واحد مهم او ممتع او مصدر اهتمام ، شيئ عميق و معقد ، او تافه و سطحي ، مش مهم . لما خرج من الحمام كان لسه مايكل بيتكلم عن اللوتو و التطبيق الجديد اللي ح يحدد له في النهاية الارقام الرابحة ، اكتشف انه طول الوقت الفايت كان لسه مايكل بيتكلم و هو معلي صوته علشان صوت الدش ، يا ريته كان ركز معاه في اللي بيقوله بدل ما يكئب نفسه على الصبح با اسئلة مالهاش لزوم " هل سمعت عن هذا الرجل في هانوفر الذي فاز بمليون يورو في سحب الاربعاء في المسابقة الالمانية و لعب مرة اخرى في الاسبوع التالي مباشرة في المسابقة الاوربية و فاز بثمانية ملايين اخرى ، فوزين متتابعين في اقل من سبعة ايام ؟ " ظهر على وش مايكل انه بيفكر ، و ده أمر نادر في الاحوال الغالبة ، بعد كام لحظة هز راسه و سأل و على ملامح وشه اهتمام حقيقي " هل تقصد ان هذا الرجل يستخدم تطبيقا ما " لقى نفسه بيضحك رغم كل اللي هو فيه ، و رغم ان الضحك بيبعت موجات من الدم على دماغه ، كل موجة بتضغط ضغطة صداع خفيفة ، و داوها بالتي كانت هي الداء ، لا حل بالفعل الا بالمزيد من البيرة " لا طبعا لم اقصد ذلك يا ذكي ، ما اقصده انه لا توجد اي قواعد تحكم هذا الشيئ ، لا توجد اي قواعد على الاطلاق ، و كل تلك التطبيقات احتيال تقليدي على السذج ، ستة ارقام بين واحد الى خمسين و رقم واحد بين صفر الى عشرة ، هل يوجد من يحدد ذلك بشكل صحيح ؟ بالتأكيد يوجد ، هل هناك اي قواعد او منطق يحكم المسألة ؟ بالتأكيد لا يوجد ، حظ محض ، مثل ان تهبط صاعقة على رجل يسير في الشارع على قدميه في يوم ممطر ، لا منطق يحكم ذلك و لا حسابات " المرة دي ظهر على وش مايكل الانزعاج ، انزعاج كأني بلغته با احتمالات وقوع حرب عالمية نووية قريبا ، بعد دقيقة او دقيقتين من التفكير اتكرمش فيهم جبينه لقيته بيسأل بقلق " هل تعتقد ان احتمالية الربح هي حقا بهذه الندرة ، بندرة ان تهبط صاعقة على شخص يسير " ابتسم و ما ردش ، لثاني مرة النهاردة لقى نفسه بيحسد مايكل على اهتمامه ده باللوتو ، بس لو يلاقي حاجة واحدة يهتم بيها ، يمكن يقدر يخرج من الدائرة دي من الملل و الكآبة و الكحول ! وحش آدمي ، ده اكيد اللي بيشعر به السفاحين و القتلة ، الفراغ ، الفراغ و الملل ، يمكن فعلا يكون عندها حق " لا ، لا ، الامر مختلف ، بالتأكيد مختلف ، ليس الامر بهذه الندرة ، لا يوجد انسان تهبط عليه صاعقة يوم سبت ، ثم صاعقة اخرى في الاربعاء التالي ، ثم السبت التالي له ، كل اسبوع شخصين او اكثر تهبط عليهم الصواعق من السماء و هم سائرون ، لا بالطبع لا ، ليس الامر بهذه الندرة ، هناك ناس معروفون فازوا بالجائزة ، ليس الامر بالصعب و لا بالنادر الى هذا الحد " قال الجملة الاخيرة و على وشه ارتياح شخص محكوم عليه بالاعدام و اعلنوا له العفو ، ابتسم و قال له " معك حق ، فقط امزح معك ، ستفوز بالجائزة الكبرى يوما و سنأتي جميعا لنقترض منك ، فقط اجبني عن سؤالي ارجوك ، هل تتذكر متى غادرتكم امس ، هل حدث شيئ يستحق الذكر " " لا ، لا اظن ذلك ، اظن انك قد غادرت مبكرا بعض الشيئ ، لأننا لعبنا البوكر بعد ذهابك ، لماذا تسأل " " اسألك لانني لا اتذكر نهائيا ظروف و لا موعد عودتي و هذا يقلقني ، لم يحدث لي ذلك منذ سنين " " ما المقلق في الامر ، ما الغريب ان تنسى ما حدث بعد ليلة من الشراب ؟ " " ما الغريب ؟ الغريب ان هذا لا يحدث لي عادة ، اتذكر في المعتاد متى و كيف عدت الى المنزل " " لقد قلت لي بنفسك السبت الماضي فقط انك لا تتذكر ما حدث في الليلة الماضية في اواخرها ، و قلت لك ان الامر اعتيادي " " نعم ، و لكن ليس كتلك المرة ” " ما المختلف تحديدا " " نعم قلت لك الاسبوع الفائت اني لا اتذكر ما حدث في الليلة السابقة ، و لكن لم يكن لتلك الدرجة ، كنت ابالغ ، اما با لامس فالامر مختلف ، اعني انه بالفعل ثقب كامل في الذاكرة عن كيفية رجوعي " " كيفية رجوعك ! و هل المشرب في المريخ مثلا و انت تسكن في عطارد ؟ عدت ماشيا كالعادة ، كيف ستتوقع ان تعود ؟ ارتدي ملابسك و لا تكن سخيفا ، الرفاق ينتظرون " معاه حق ، ليه القلق و التفكير و الاسئلة ؟ ليه ما يسبش المسائل تمشي ؟ سخيف ! فعلا سخيف ، فليبلع الملل الوجود ، ايه الجديد ، البس هدومك و اخرج لأصحابك و عدي في الايام ، ما تعملش فيها عبقري عصرك اللي بتحاصره الاسئلة و القلق ، ما فيش شيئ مهم ، مافيش شيئ يستحق الاهتمام " تذكرت الآن " قال كده و انفجر في الضحك " ماذا تذكرت " " لقد تشاجرت مع باتريك حول زميلتنا التي شتمتك ، كان يقول لك انها امرأة طيبة و انك انت نفسك مرارا ما قلت ذلك ، و انها مشاجرة عادية و ليس فيها ما يستحق ، بينما كنت تتحدث انت عنها و كأنها الساحرة العجوز الشريرة التي تخطف الاطفال ، تشاجرت معه و اخذت معطفك و ذهبت و ضحكنا جميعا ، الشراب يجعلك كطفل صغير " او كوحش آدمي ... .. لقى نفسه بيراقب مايكل و هو بيضحك و ما فيش في مخه الا الكلمتين دول : وحش آدمي .... وحش آدمي ، وحش آدمي ... انتهى مايكل من الضحك و بص له " مالك واقف كالابله ، ارتدي قميصك و هيا " " ماذا " " انت تقف متخشبا كالابله و في يدك القميص ، ضعه على جسدك و هيا ، الرفاق ينتظرون " " حسنا ، حالا " بدأ يلبس القميص و هو شاعر بالبلاهة فعلا ، بلاهة ، لخبطة ، عته ، و فراغ .... فراغ عميق بيحاصر كيانه ، في اللحظة اللي بدأ يحط الاشياء الاخيرة في جيوبه و يستعد للنزول فاجأة بالقنبلة الاخيرة " لا بد ان الرفاق الآن منهمكين في الحديث عن ذلك السفاح ، انه بالتأكيد سفاح متكرر الفعل ، فجريمة ليلة السبت الماضي تكررت بالامس ، فعلها مرة اخرى ، ايضا خنق باليد ، تماما كالمرة السابقة " بص لصاحبة و ايده وقفت في طريقها للباب في نص المسافة ، ايه اللي اترسم على وشه من تعبير ما يعرفش ، لأن مايكل بص له الاول با استغراب و بعدين ابتسم و بعدين ضحك ، جواه كان ذهول و دهشة و رعب و فزع ، خليط بين كل دول اجتمع في داخله ، لكن اكيد اللي اترسم على وشه كان لا شيئ ..... الا بلاهة و عبط . ------------------------------------------------------------------ ------------------------------------------------------------------------------------ 3 ------------------------------------------------------------------------------ نفس المشرب و نفس الاصحاب ، زملاء في الشغل ، و هما نفسهم اصحاب سهرات نهاية الاسبوع ، و ظهيرات السبت و تدور بيهم و معاهم دايرة الفراغ ، فكرة سخيفة بتخطر على الذهن ، بتطردها على طول من ذهنك و انتهينا ، لكن لما تواص ل التفكير فيها و تكررها اكثر من مرة في ذهنك ، ما بتبقاش بعد شوية سخيفة ، فجأة بتاخد في الذهن وجاهة ما ، و يبتدي الانسان بجدية يفكر في احتمالات واقعيتها ، و كل ما يقول لنفسه اطرد الفكرة الغبية دي من بالك ، يلاقيها بتغيب و بعدين ترجع تاني تلح عالذهن ، و الكارثة انك علشان تأكد لنفسك انها فكرة سخيفة ، بتبدأ تناقش اوجهها ، المحاولة دي نفسها لتقليب اوجه الفكرة و التأكيد للنفس انها سخيفة ، بيعني انها بتحضر في الذهن اكثر و اكثر .... هل ممكن فعلا يكون هو السفاح اللي ارتكب لغاية دلوقتي جريميتين ؟ فكرة سخيفة طبعا ، بل و مضحكة لو فكرت فيها بعقلانية ، يجي يفكر فيها بعقلانية يطردها فورا طبعا ، و ترجع تاني تتسلل للذهن ! البلاك اوت .... و الجريمة الاولى حصلت برضه ليلة سبت ، السبت اللي فات تحديدا ، وقتها ما حدش اعطاها الاهتمام ده لأنها ظهرت كجريمة تقليدية ، بشعة طبعا ، لكن جريمة واحدة مستقلة ، مش سفاح و جريمة تانية و يمكن سلسلة جرايم مستقبلية ! و مايكل قال انه برضه في السبت اللي فات حكى له عن الليلة السابقة ، و قال ان جاء له بلاك اوت ... لكن السبت الماضي ما كانش بالقوة دي ، هو نفسه قال لمايكل ده ، و الكابوس ، الايد اللي بتخنق ، امتى بدأ الكابوس ده ؟ السبت اللي فات ؟ و الا قبل كده ؟ هل جاء له نفس الكابوس ليلة السبت الماضي ؟ طبعا مش فاكر ! و يفتكر ليه ؟ ايه الجنان ده ؟ ليه بيفكر في المسالة اصلا ؟ كل واحد يجي له كوابيس يبقى سفاح ! و لما ينجح في طرد الفكرة من ذهنه فعلا ، و يتصور انها تبخرت تماما ، بوووم تاني ...... وحش آدمي .... ترجع الشتيمة الغبية دي من زميلته اياها تنفجر في راسه زي القنبلة ، ايه اللي خلاها تقول كده ؟ يمكن شافت فيه شئ حقيقي غايب عن الناس كلها ؟ غايب حتى عنه هو ! ما هذا الغباء ؟ ازاي افكار زي دي فارضة نفسها عليه ؟ حلقة عمال ذهنه يدور فيها من ساعة ما قعد ، و اللي زاد و غطى ان اصحابه فعلا زي ما توقع مايكل ، مالهمش سيرة و لا موضوع للحديث غير موضوع السفاح ده " هلا غيرنا موضوع الحديث يا رفاق ، ليس بالحديث الطيب ، و خصوصا يوم اجازة و ترفيه " قبل اقتراحه ده كان يوهانس بيقول انه بيختار اماكن جرايمه في مداخل بنايات ، بعيدة عن احتمالات الكشف بالاقمار الصناعية الغريب ان اصحابه قبلوا اقتراحه فعلا ، و بسرعة اشتبكوا في حوارات عن مواضيع تانية ، لكن هو لقى نفسه بيفكر في موضوع الاقمار الصناعية ده ، اول مرة يسمع ان ممكن الرجوع لصور من الاقمار الصناعية لكشف جريمة ، و ده معناه انه بالتأكيد مش هو ، و فورا و بمجرد ما ارتاح للفكرة هاجمته من ناحية تانية ، لا طبعا اكيد جزء من عقله عارف موضوع الاقمار الصناعية ده ، الحكاية ظهرت في افلام و مسلسلات ، اكيد المسألة مخزونة في عقله الباطن ، هو مش جاي من العصر الحجري ، معقول ؟ معقول يكون بيفكر في احتمالية انه يكون سفاح بيخنق الناس للمتعة ؟ ده جنان رسمي ! و طالما عدينا عتبة الجنون يبقى كل شيئ جايز ! كام مرة يرجع البيت بعد الشغل و يقعد يتفرج عالتلفزيون و يجي في نشرة الاخبار احداث عن حوادث و تفجيرات و ارهاب ، هل يقدر ينكر هذا الشعور الغريب اللي بيجي له ؟ شعور با ايه ؟ شعور بالفرح ؟ ممكن تسمية الشعور ده با ايه ؟ اذا ما كانش فرح يبقى ايه ؟ ----------------------------------------------------------- --------------------------------------------------------------------- 4 ----------------------------------------------------------------------- ليلة السبت ، مش ح يخرج ، قرار نهائي لا تراجع عنه ، اكثر من مرة يلبس ملابس الخروج و يقلعها تاني و يغير لملابس البيت ، ببساطة ما عندوش شجاعة انه يخرج و يلاقي نفسه في بلاك اوت تاني الصبح ، بعيدا عن موضوع السفاح و الفكرة الغبية اللي سيطرت عليه ، سيطرت عليه طول الاسبوع رغم غبائها الواضح ، بعيدا عن الفكرة دي و عن اي شيئ متصل بيها ، محتاج للهدوؤ و ليلة مريحة في البيت صابح بعدها اجازة ، بس ، انتهينا ، و مش ح يشرب كمان ، فيه قزازة فودكا في دولاب المطبخ ، كذا مرة يقول لنفسه كاس واحد مش ح يفرق ، لكن لأ ، مش ح يشرب يعني مش ح يشرب ..... المشكلة ان الوحدة في البيت بتجيب معاها زائر مزعج ، التفكير ، و الذكريات ، كل اللي ودعته لما قررت تسيب الاهل و الاصحاب و ترحل تدور على بيت برة بلدك ، او اتخيلت انك ودعته ، بيحاصرك في اوقات الوحدة . بيمد اصابع خفية عالروح ، زي الاصابع اللي بتشوفها في الكابوس المتكرر ، فجاة ما بيبقاش في معنى للمزيكا لو حاولت تسمع مازيكا ! حاول تقرا في كتاب ..... ح تحاصرك حروف الماضي بين السطور اللي بتقراها ، و تلاقي غصبا عنك ، كل جملة بتقراها بتسلم لذكرى ، و ايه ده اللي انت ودعته بالتحديد ؟ تقدر تحط ايدك على شيئ معين و تقول هو ده ؟ هو ده اللي انت سبته وراك هناك !! ما فيش ، اصابع غامضة لشيئ مش واضح و لا يمكن تحديده ، و رغم ده ، غيابه هو اللي مالي لحظتك الحالية دي بالفراغ .... و هل كانت رحلتك نزهة و فسحة ؟ و الا مشوار من المعاناة و الالم و التحديات لغاية ما وصلت للركن اللي انت فيه النهاردة من البلد الغريب ، الركن اللي مش عاجبك و بتشتكي فيه من الفراغ ، ما حدش شاور عليك و قال اجنبي ، لكن حسيت الكلمة و حسيت الاشارة كل يوم و كل ساعة ، طيف بيبص من ورا كل وش ، و ايه الغريب انك تفرح بالانفجارات و المصايب ؟ هل طبطبت عليك الايادي و هدهدتك على وسائد الراحة في مشوارك ، و الا جعت و عرقت و نحتت في الصخر ؟ هل ممكن تكون الافكار دي بتثور جواه تحت السطح الهادي اللي بيقابل بيه الناس و بيتعامل معاهم ؟ هل ممكن تقوده فعلا لحالة انفصام في الشخصية تتمد فيها ايده و تخنق انسان ؟ ما اسخفها و اغباها من فكرة ! رغما عنه بتتمد ايده لقزازة الفودكا ، كاس واحد مش ح يفرق ، بس علشان اقدر آكل ، بيقول لنفسه ، دقايق و يجي تليفون ، واحد من اصحابه بيسأل هو فين ، قاعدين في البار من بدري ، مرة يقول جاي ، جاي في السكة بس با اعمل حاجة ، و مرة تانية يقول يبدو مش ح اقدر آجي الليلة ، مشغول ، مشغول ..... با اخلص حاجات حاجات ايه ؟ حاجات متأخرة في الشغل ! قول لهم الحقيقة احسن ، قاعد با اصارع الفراغ ، و الفراغ هو اللي ح يخلص عليك مش انت اللي بتخلص حاجات ، بقوا كام كاس لغاية دلوقت ؟ اللحظة اللي ودعتها فيها و ادركت من جواك بيقين كامل ان قصتكم انتهت انها قصة حب فاشلة زي ملايين و ملايين القصص زيها ، مش ح يفضل منها الا ذكريات غبية ، قصة اغبى حتى انها تتحكي للاصحاب في قعدة شرب ، هي لحظة الادراك دي اللي بدأ فيها الفراغ يحيط بروحك .... .... الا فليبلع الفراغ العالم ، الا فلتخنق اصابع الفراغ الوجود كله . مع الكاس اللي مش عارف و لا فاكر هو رقم كام ، بيفتكر عمر الخيام : (( سأدخل التراب مع عشقك ، و لن اخرج منه الا معك )) --------------------------------------------------------------------- ----------------------------------------------------------------------- 5 ----------------------------------------------------------------------- خبطات ، خبطات سريعة و متعاقبة عالباب ، دي خبطة مايكل ، اهم حاجة انها مش بوليس ، خبطة البوليس معروفة ، خبطة حكومة زي ما كنا بنقول في مصر ، هانج اوفر رهيب ، بيرفع راسه من على المخدة بصعوبة .... " نعم ، نعم انا قادم " ازاي قدرت تشيله رجليه لغاية الباب مش عارف ، دخل مايكل و رجع هو تهاوى على الكنبة ، مطارق من حديد بتضرب على نافوخه " اجلس ، اغلق الباب و اجلس ارجوك ، فقط اتركني قليلا اتمالك نفسي " " اين ذهبت بالامس ؟ انت لم تات الى المشرب ! " " لم اذهب الى اي مكان ، قضيت الليلة بالمنزل " " قضيت الليلة بالمنزل ! لماذا انت بملابس الخروج ؟ انتبه للمرة الاولى انه فعلا لابس هدومه ، انه نام و هو لابس هدومه ، ازاي ده حصل ، آخر حاجة فاكرها ان اصحابه بيطلبوه في التليفون ، مايكل نفسه طلبه اكثر من مرة ، و انه فضل يقلع هدومه و يلبسها ، مرة يقرر انه يخرج يقابلهم ، و بعدين يقرر تاني انه يقعد و ما يروحش اي مكان ، و الفودكا ، الزجاجة اللعينة من الفودكا .... مد مايكل ايده تحت ترابيزة الصالة و طلعها ، فاضية تماما ، بص لها و ضحك " هل اتيت على هذه كاملة وحدك ، لماذا لم تأت ، منذ متى و انت تفضل السكر منفردا في نهاية الاسبوع " " لم اشعر اني على ما يرام ، لم ارد ازعاجكم بمزاجي السيئ ، هذا كل ما في الامر " " انت لم تكن على ما يرام طوال الاسبوع ، الجميع لاحظ ذلك " " لاحظ ماذا ؟ ماذا تقصد ؟ " كنت تبدو شارد الذهن ، مقطب الجبين ، يحيط بعينك بعض السواد ، و كأنك لم تنم جيدا " " لا انام بالفعل بشكل جيد في الآونة الاخيرة ، كما قلت لك سابقا ، اعاني من كوابيس ، بالامس يبدو انني حزمت امري على المجيئ اليكم و لكن غلبني النوم " " او غلبتك الفودكا " قالها و ضحك جامد زي ما تكون اكبر نكتة عبقرية ممكن يقولها كومديان محترف ، يا ترى جاء له الكابوس نفسه امبارح ؟ بيحاول يفتكر ، ايوة ، ايوه جاء له بالتأكيد ، ايد بتتمد و تعصر و تخنق ، ده كان امبارح و الا الليلة اللي قبلها ؟ مش فاكر ، و مش عايز يفتكر ... " سوف اعد لك قهوة ، لا تتحرك ، هدأ اعصابك و لا تفكر في شيئ ، فنجان من القهوة و بعض الاسترخاء ثم ب دل ملابسك و لنذهب ، انت مرهق الاعصاب فقط ، ربما ضغوط العمل ، اين القهوة " شاور له على مكان القهوة و لوازمها و هو بيبدأ يصب المية بدأ يتكلم ، الغريب انه كان متأكد من اللي ح يقوله قبل ما يقوله ، متوقعه زي ما بتتوقع ان مفتش التذاكر يقول تذاكركم يا سادة لما يدخل عربية القطر ، شيئ متوقع و بديهي و تلقائي " لقد فعلها هذا البشع المجنون امس ايضا ، هل تصدق ؟ خنق بنفس الطريقة ، الضحية هذه المرة ولد لم يكمل العشرين و لكنه ضعيف البنية ، هذا الوغد يختار ضحاياه من ضعاف الجسد الذين لا يملكون مقاومة جدية " " اعرف " " تعرف ماذا " " اعرف انه كررها بالامس " " كيف عرفت ؟ لا حديث في التلفزيون و الاذاعة و الانترنت الا عن الموضوع بالطبع ، لكنك استيقظت لتوك ! " ح يقوله ايه بس ؟ ح يقوله عارف لأن قزازة الفودكا فاضية و هو مش فاكر نام امتى و انه شاكك انه هو السفاح ! " اعني انه سفاح متكرر الفعل ، و يبدو ان ليلة السبت هي موعده المفضل ، و طالما لم يتم القبض عليه توقعت انه لابد و كررها و سيكررها حتما مرة رابعة و خامسة " " شيئ مزعج بالفعل ، لا اعتقد ان امرا كذلك حدث هنا من قبل ، في امريكا ربما " لقى نفسه بيسرح في التفكير و مايكل مش مبطل رغي و هو بيعمل القهوة ، هل ممكن يكون فعلا الموضوع كده ؟ هو فعلا المسؤول عن الجرايم دي ؟ كل ما يفكر في الموضوع يستبعده عقلانيا و مع ذلك يترسخ شعور ما جواه انه بجد ، و بعدين ؟ هوه نفسه لسه قايل ان الشخص ده ح يكررها مرة كمان و مرات و مرات ، ح يفضل ساكت و حياة ناس ابرياء في خطر ، و لو كان الاحتمال بنسبة واحد في المية صح مع الكحول و البلاك اوت و نسيانه الكامل لظروف و معاد نومه ، مش الاحتمال ده و لو حتى واحد من المية في المية يتطلب منه انه يعمل شيئ ما ؟ طيب ايه هو الشيئ ده ؟ ايه اللي ممكن يعمله تحديدا ؟ حط مايكل فنجانين القهوة على الترابيزة و قعد ، بص له و ابتسم " اني قلق حقا بشأنك يا صديقي ، هل تعرف ماذا انت بحاجة اليه ؟ " اول تاثير لأول شفطة من القهوة كان منعش بالفعل ، دخل على منطقة في مخه و سكن مساحة من الصداع ، خد شفطة تانية و تالتة و رابعة ، مساحات كاملة من دماغه بينسحب منها الصداع ، بقايا الكحول بتتقهقر مهزومة امام الكافيين " ماذا في رأيك ؟ " " انت بحاجة الى امرأة ، كم عمرك الآن ؟ " " واحد و اربعين " " انت اصغر مني بعامين ، انا ايضا لا امرأة ثابتة في حياتي ، لكن دائما ما توجد علاقة عابرة " " عبرت على علاقات عدة ، مع الوقت شعرت اني اسعد بوحدتي " " الرجل في حاجة لأمرأة دائما ، لا تقل لي انك لا تعلم ذلك " " لكي تحتفظ بشخص ما لابد و ان تبذل مجهودا ، لا تقل لي انت انك لا تعرف ذلك " " اذن ماذا ؟ ماذا تريد ان تقول ؟ " " لا اجد في نفسي الطاقة على بذل اي مجهود للاحتفاظ بعلاقة مع امرأة ، مع الوقت قررت ان لا ابدأ اي علاقة من الاساس " " اما شعرت ابدا برغبة في الاحتفاظ با امرأة ؟ بل و حتى في الزواج ؟ " القهوة كان ليها مفعول السحر ، الغريب انه لقى نفسه بيبتسم ، و الاغرب انه لقى رغبة في الكلام " قبل ان اغادر بلادي خضت قصة حب ، لا اعتقد اني قادر على خوض تجربة اخرى ، حاولت ، لكن ما شعرت به في كل علاقة لاحقة كان امرا لا صلة بذلك الشعور ، قررت ان اعيش على ذكرى ما ضاع ، افضل من محاولات لا جدوى منها لأحيائه مع اخريات " " ما هو على وجه الدقة ما شعرت به " في النقطة دي من الحوار لقى نفسه بيضحك جامد ، رغم كل شيئ و كل القلق و الهواجس ضحك بجد ، فكرة انه مندمج مع مايكل بالذات في حوار من نوع ده كانت مثيرة جدا للضحك في اللحظة دي " هذا امر لا يمكن وصفه على وجه الدقة ، بل يستحيل وصفه اصلا هل شعرت من قبل ان كل ما تريده من الحياة ان تكون بصحبة شخص معين ، بدا العمر امامك رحبا متسعا ، و مع ذلك لا يكفيك ضعفه لتقضيه مع ذلك الشخص ، دون لحظة من ملل " " و ماذا حدث ، لماذا انتهى ذلك ؟ " " القصة المكررة ، رجل آخر " " تركتك حبيبك و ذهبت لشخص آخر " " نعم " قال نعم هو مبتسم ، لسبب ما ابتسم ، سبب ما يقدرش يحط ايده عليه بالظبط " اللعنة ، لابد ان ذلك كان قاسيا " " طبعا دون شك ، كان امرا مؤلما جدا ، لكن رغم الالم كان جانب مني سعيد " " سعيد انك تخلصت من امرأة لا تستحقك ؟ " لقى نفسه بيضحك تاني " بالطبع لا ، بل سعيد من اجلها انها وجدت سعادتها الحقيقة " " انت تمزح " " كما قلت لك ، هذه المشاعر يستحيل وصفها بدقة ، يستحيل وصفها اصلا " " هل تحاول اقناعي انك قديس ؟ او فارس عصور وسطى ! " " لست قديسا و لا فارسا ، انا وحش آدمي " قالها و انفجر المرة دي في الضحك انفجارا ، تأثير القهوة فعلا منعش ، ممتزج مع بقايا الفودكا " و ماذا حدث ؟ هل تزوجت من هذا الشخص ؟ " " لا ، بل حدث العكس تماما ، هجرها و ندمت اشد الندم " " هل حاولت العودة اليك ؟ " " كنت انا اول من لجئت اليه عند وقع المحنة ، و ساندتها بكل ما بوسعي ، اعربت عن رغبتها في ان تعود علاقتنا ، لم يكن بيننا مساحة لألعاب و لا خطط و لا مداراة و قلت لها ان هذا لن يكون عدلا بالنسبة لها ، يوما ما قد يتكرر شعورها نحو شخص آخر ، عندها اعلم انها لن تستطيع اخلاقيا ان تهجرني مجددا و ستستمر معي مجبرة ، و انا لا اريد لها ابدا ان تكون تعيسة ، طالما وجدت سعادتها يوما بعيدا عني فهي لم تجدها اصلا معي " " و ماذا قالت لك ؟ " " اني مخطأ و ان هذا لن يحدث و انها ادركت انها لن تجد غيري ، افهمتها اني لم انظر للمسألة ابدا بمنطلق سباق ذكوري حول الافضل ، ظللت معها حتى عبرت المحنة ، في النهاية سألتني اذا ما كنت ما ازال واقعا في حبها ، احسست انها ستمضي في حياتها اقوى و اكثر سعادة اذا ما كان جوابي بالايجاب فقلت لها نعم ، و لن احب ابدا غيرك " " و هل ما زلت تحبها بالفعل ؟ " " هي نفسها كشخص طبعا لا ، لقد تزوجت و انجبت الآن ، حتى اننا اصدقاء على الفيس بوك ، لكن هي كشخص كان ، اعتقد اني لم اعبرها ابدا " سحب شفطة جديدة نهمة من القهوة ، مدهش انه يكون قادر على الحديث عن الموضوع بعد كل السنين دي ، مدهش اللي بتخبيه الذاكرة ، احيانا بتبلع الذاكرة الوجود كله ، و ما يفضلش في النهاية ما هو حي غيرها " انت رجل جيد يا صديقي " " اشكرك " ابتسم و حس لأول مرة ببعض الراحة ، لكن الاحساس ما استمرش كثير ، لقى مايكل بيضحك بشدة ، بيضحك لغاية تقريبا عينيه ما دمعت ، و لما تمالك نفسه شوية ، قال و هو لسه بيضحك " هل تعلم زميلتنا تلك التي تشاجرت معها ، لديها نظرية اخبرت بها بعض زملائنا ان ذلك السفاح ليس الا انت ، انت و لا احدك سواك " قالها مايكل و واصل الضحك ، اما هو فا ابتسامته اتبخرت من على وشه في ثانية ، و ابتلع الفراغ الوجود كله . ----------------------------------------------------------------------------- ---------------------------------------------------------------------------------- 6 ---------------------------------------------------------------- خد القرار و لا رجعة فيه ، قضي طول يوم الاحد يفكر في الموضوع ، و رغم ان مايكل اكد له و كرر في التأكيد ان النظرية دي عبارة عن نكتة ، نكتة كل اللي سمعها ضحك ، و استغرب انه واخد الموضوع بالجدية دي ، نكتة زميلتهم ما تقصدش منها الا الهزار .... و وحش آدمي اللي قالتها له و عينها متركزة على عينيه ؟ دي كمان هزار ؟ و الكوابيس و البلاك اوت و الايد اللي بتخنق ، لو فيه احتمال و لو واحد في المية انها ما تكونش نكتة يبقى لازم يعمل اللي لازم يعمله اي انسان شريف مسؤول ، ارواح الناس مش لعبة ! في الطريق لقسم الشرطة لقى نفسه بيراقب الناس و هي رايحة جاية لاحوالها ، مرهق جدا ، و الارهاق هادد جسمه كله ، ما نامش تقريبا من صباح السبت ، اذا كان فيه وحش آدمي مستخبي جواه ،يبقى لازم يحمي الابرياء اللي في الشارع دول منه و اذا كان الموضوع كله وهم يبقى السلطات اللي تحدد ده ، ما فيش تفكير و لا قلق تاني دخل القسم ، حيا الموظف بالزي الرسمي اللي قاعد على شباك التعامل مع الجمهور " اشعر ان لدي معلومات عن قضية القاتل " تفحصه الموظف ... " تشعر ام تعلم ؟ " " لا استطيع ان احدد ، لدي معلومات لا ادري ما مدى قيمتها " ضغط الموظف الزر و اتفتح له الباب ، قاده لغرفة فيها مكتب و طلب منه الجلوس ، قعد و رغم كل شيئ بدأ يحس براحة ، ايا كانت النهاية ، ح تنتهي هذه الكوابيس ، حتى و لو في مصحة عقلية او في السجن ، ح تنتهي حتما الكوابيس دي دخل موظف تاني اكبر سنا بزي البوليس الرسمي ، ابتسم له و مد له ايده بالسلام ، بعد المصافحة و جملتين كسر الجليد المألوفين قعد ورا المكتب و بص له بصة متفحصة اعمق من بصة موظف الاستقبال ، دخل هو في الموضوع فورا ، حكى له كل حاجة ، تفصيلة ، تفصيلة ، الكوابيس ، الايد الخانقة ، البلاك اوت ، كلمة زميلته و نظريتها اللي قالتها في الشغل على اساس انها نكتة ، كل شيئ حكاه و كأنه بيخلص من حمل تقيل " قدرت ان الشخص الفاعل لابد و ان يكون بلا سابقة جنائية و الا لكان رمز حمضه النووي في بنك المعلومات و لأمكن الاستدلال عليه انا هنا اعرض اخذ رمز حمضي النووي و مقارنتها بهذا الذي مسجل عندكم الآن للشخص الفاعل ، و اذا تطابقا لن يكون عندئذ اي شك " بص له الظابط بصة طويلة من غير ما يتكلم و كأنه بيوزن ح يقول ايه بالظبط و اخيرا قال " ما الذي دعاك الى الاعتقاد انك الفاعل ؟ فقط ما رويته لي الآن ، النسيان تحت تأثير الكحول و باقي ما رويت ام هناك اسباب اخرى ؟ " " لا ، لقد رويت لك كل شيئ ، مهما كان الاحتمال ضئيلا فما دمت غير قادر على التذكر اذن فهو قائم و لا يمكن تعريض ارواح الناس للخطر " ابتسم الظابط ، اربكته الابتسامة ، كان متوقع اي رد فعل الا الابتسام ، و خصوصا الابتسامة دي ، ابتسامة زي ما تكون من شخص بالغ لطفل بيقول شيئ ساذج و بعد تقريبا نص دقيقة من الصمت قال اخيرا " هل حدث انك قرأت صحف الصباح اليوم او استمعت الى التلفزيون او شرعت الى الانترنت ؟ " " لا ، لقد كنت مرهقا قي التفكير ، مستغرقا بالكامل منذ يومين في تقليب اوجه المسألة ، لم يحدث " " اقول ذلك لأنك لو كنت فعلت لعلمت انه تم بالفعل القبض على القاتل ليلة امس " شعور فراغ بيتراجع ، شعور غامض مريح ان الاماكن و الاشياء بدأت تاخد شكلها و لونها الطبيعي " دلت تحريات الشرطة عن شاب في اوائل العشرين ذو ماض من الاضطراب النفسي ، لكن و كما قلت انت ليس له سجل اجرامي و تم القبض عليه " " هل من المؤكد انه هو الفاعل ؟ " " مئة في المئة ، دل على ذلك حمضه النووي " " اذن فقد انتهى الامر " " قانونيا قد تكون هناك تحقيقات بشأن اهمال طبي في تقدير خطورة الحالة ، لكن التحقيق الجنائي اغلق ، يقينا لن يعزي شيئ اقارب الضحايا لكن في النهاية ، المدينة تنفست الصعداء " تنفس الصعداء تعبير لا يكفي ابدا لوصف اللي حس به من راحة ... " اشكرك ، كل سكان المدينة مدينون لكم بالشكر و انا عاجز عن التعبير عن شكري ، هم كبير انزاح عن صدري " " هل تريد رأيي في كامل الصورة " " تفضل " " اعتقد يا سيدي انك قد تكون واقعا في الحب " ضحك ضحكة قصيرة و غمز له بعينيه ، شعور جديد بدأ يزحف ، شعور ابعد ما يكون عن الفراغ ، شعور ذو عمق غريب ، عمق جذاب و ناعم بيتسلل للروح ... " من تقصد ؟ زميلتي التي ذكرتها لك ، لا اتصور انك تتحدث جديا " " سيدي ، يعتقد كثيرون ان مهنة الشرطة هي امن و سلاح و تحقيقات ، لكن عملنا هو مع الناس ، و لقد رأيت من بين جدران هذه الغرفة الكثير ، ما تقوله هو اعراض حب صريح ، اضطراب في النوم ، اضطراب يلاحظه رفاق العمل ، تعاطي غير منضبط للكحوليات ، ارتكاب حماقات ، كل هذا هو اعراض واضحة لهذا السفاح المسمى بالحب " " حماقات ؟ " ضحك و هو لسه مبتسم و لسه بيتفحصه قال " الذهاب الى القسم الشرطة للاعتراف زورا بجرائم قتل ، من الصعب تصنيف ذلك في خانة الاعمال الحكيمة " ابتسم هو كمان ، و غمر الروح عمق جديد التهم الفراغ بالكامل ، مش جديد ، قديم ..... .. قديم لكن منسي ، مركون في زوايا الروح ، و بلمسة واحدة انتفض و لمع و تمدد .... " و ماذا ترى ان علي ان افعل ؟ " ضحك تاني و بدأ يقلب في الملفات اللي قدامه في اشارة واضحة ان وقته ما بقاش يسمح با اكثر " في هذه لا استطيع ان اساعدك ، لا توجد اجراءات قانونية حيال هذا النوع من السفاحين " و رغم انه ادرك الاشارة ان المقابلة انتهت ، الا انه لقى نفسه مش قادر يمنع النفس من سؤال اخير " اقصد كيف اعرف ان هناك احتمالية بشعور ما متبادل ؟ " " كل ما عليك هو ان تسأل ، لا تتوقع من المرأة ابدا ان تقوم بالخطوة الاولى ، لكن بشكل مبدئي فا ان تلك المزحة التي اطلقتها عنك مبشرة ، هذا يعني انك حاضر في تفكيرها بشكل ما " وقف و شكره و مد له ايده يسلم عليه ، حس اول ما وقف في جسمه كله بالشئي نفسه الغامض القديم نفسه بيتمدد اكثر و اكثر بيبلع في مساحات من الفراغ اكبر و اكبر .. و قف الظابط و مد له ايده و هو مبتسم و كرر نفس الجملة تاني " كل ما عليك هو ان تسأل " و هو على الباب بيتأهب للخروج قال له الظابط كلمة اخيرة ، لتاني مرة خلال ساعات يسمعها هي نفسها " انت رجل جيد يا سيدي " -------------------------------------------------------------------- -------------------------------------------------------------------------- 7 -------------------------------------------------------------------------------- ما قبل المكاشفة ، ما قبل الافصاح ، فترة السر الجميل مع النفس ، السر اللي عايز يفضل سر ، السر اللي بيأجل البوح بنفسه ، علشان يمتد اكثر و اكثر في الروح ، في اي غرفة مقفولة من غرف الروح ، طول كل السنين دي كان مستخبي هذا الاعصار من النشوة ؟ مش مهم يكون الشعور متبادل ، مش مهم نهاية القصة و مش مهم حتى انها تبتدي ، المهم ان اللي كان طيف من الماضي بيلح على ذاكرة الروح في اوقات التعب بالذات ، عاد الآن بكامل حضوره ، بكامل سطوته و جبروته ، و ما اضعفك من عدو و ما اسهل هزيمتك يا هذا المسمى بالفراغ ..... لو وافقت ح يعزمها في المطعم الصيني ، فيه مطعم صيني جميل في وسط المدينة ، كان لما بتعجبه بنت في مصر زمان بيعزمها في المطعم الصيني ، الاضاءة الخافتة و الدفء المميز ، في كل مدينة في العالم ح تلاقي هذا المطعم الصيني الجميل في وسط المدينة تقدم ناحية مكتبها بهدؤ و ثقة ، مرتبك من جوه ما فيش شك ، مرتبك داخليا بالكامل ، لكن ملامحه و حركاته الخارجية مظبوطة بهدؤ و ثقة " صباح الخير " رفعت راسها من على الاوراق اللي في ايدها ، التقت عينيهم تاني ، لأول مرة من اليوم اياه ، لقى العمق القديم بيتمدد في كيانه اكثر ... " لقد اتيت لتوي من مكتب المدير ، قلت له ان وجهة نظرك كانت صائبة ، و ان امورا كانت غائبة عن الصورة عندي ، كان الموضوع معلقا عنده لأنشغاله ، لقد مر الآن تماما " ابتسمت ، ظهر عليها بعض الحرج ، هل يوجد اجمل في الوجود من وجه جميل يبدو عليه الحرج " اردت ان اعتذر لك عن اي سؤ تفاهم قد يكون حدث " " لا ، لا بالمرة ، بل انا من يجب ان اعتذر ، لقد كنت فظة معك " الآن ، دلوقت ، حالا ، اتكلم دلوقت و الا مش ح ينفع تاني ، فرصتك ، و لما تندم انك اتكلمت و انها رفضت احسن ما تندم ان لسانك اتعقد و ما اتكلمتش ، درس تاني منسي من ايام زمان .... " كنت افكر ، هناك مطعم صيني جيد في وسط المدينة ، ما رأيك لو تناولنا الغذاء هناك لنناقش ما يمكن ان نفعله اكثر لخدمة تلك الاسرة " التقت العيون تاني .... سكتت شوية و بعدين ردت و قالت " لما لا " رغم ان الابتسامة اللي اشرقت في عينيها اغنته عن اي رد .

صوت بيعلا في الفجر .. قصة قصيرة بالعامية المصرية

(1) ----------------------------------------------- للوهلة الأولى ما خدتش بالي ، قفلت صوت المنبه في الآي باد و قمت ؛ دست زرار ماكنة القهوة و لقيت نفسي با ابص تاني من الشباك بعنين مفتوحتين تماما .. عينين طار منهم النوم تماما ، اللي تخيلته وهم او بقايا نوم لقيته قدامي .. مدخنة .. مدخنة من الطراز القديم ، زي اللي كنت با اشوفهم في مصر على امتداد النيل في مكان ما من القاهرة . ايه سبب الدهشة و الخضة حاولت أسأل نفسي !! .. اكيد المدخنة دي طول عمرها و هي هنا ، انت بس اول مرة تلاحظها .. حاولت أقول لنفسي !! مدخنة من هذا الطراز في مدينة اوربية في القرن الواحد و العشرين ؟ خمس سنين ساكن في نفس الشقة و في نفس المكان و اول مرة الاحظها ؟ عادي .. مرة تانية لقيتني با اقول .. عادي جدا !! اومال ليه انا مش حاسس انه عادي ؟؟ .. في الحقيقة .. احساس ماليني و انا تحت الدش .. و انا با اشرب القهوة .. و انا البس و با استعد للخروج .. احساس ابعد ما يكون عن العادي . في ساحة انتظار العربيات ابتسمت :) .. انت فاكر نفسك بطل فيلم من الافلام دي لما اليوم بيبدأ بداية مش طبيعية و بعدين تحصل احداث غير متوقعة ؟ بطل فيلم (افتر اور) سيادتك بتاع مارتن سكورسيزي ؟؟ .. و الا البحث عن سيد مرزوق !! فتحت باب العربية و انا لسه با ابتسم .. دار الموتور من غير مشاكل .. لا احداث سيادتك .. لا احداث .. اقنع بما تبقى دون مغامرات و لا تغيرات .. فقط تراكم الايام و السنين .. و هذا الشعور بالأطمئنان .. الاستثناء ان هذا الشعور النهاردة مش بنفس الثقة في النفس اللي كان بدا يستقر بيها . اللي كان بدأ يتحول معاها لحقيقة مستقرة واقعة . و أنا با ألف علشان ادخل بالعربية للشارع الرئيسي بصيت بصة عابرة على جانب الطريق .. بصة عابرة بعدها دست على الفرامل بقوة .. صوت احتكاك العجل بالأسفلت كان عالي لدرجة لازم تسمع الشارع .. مع ان سرعة العربية كانت اقل من العادي ، انطلق نفير العربية اللي ورايا احتجاجا ، تحركت تاني و المرة دي لقيت نفسي با أبلع ريقي بصعوبة ، القيت نظرة تانية على جانب الطريق .. ما فيش ادنى شك في اللي انا شايفه قدامي ، المساحة الفاضية من الارض اللي كانت على جانب الطريق تحولت دلوقت لمساحة محفورة ضخمة !! حفر من اللي بيسبق رمي اساسات !! حفر عميق و منتهي و على كامل مساحة الارض .. حفر في الواقع جاهز لرمي الاساسات !! امتى ؟؟ امتى ده حصل ؟؟ لغاية امبارح بس كانت الارض مساحة فاضية لكن ما فيش فيها اي حفر .. ما فيش اصلا معدات او اجهزة او آلات كانت موجودة ممكن توحي ان فيه مشروع حفر !! امبارح .. امبارح بس .. مش من اسبوع و لا تلات ايام و لا يومين !! امبارح انا متأكد !! ---------------------------------------------------------------------------- ---------------------------- (2) --------------------------------------------------------- وصلت الى الفندق اخيرا ، لبست بدلة الاستقبال ، ثبتت الثلاث اعلام على ياقة الجاكت .. الالماني .. البريطاني .. السعودي .. و وقفت ورا حاجز الاستقبال .. جاهز لخدمتكم بثلاث لغات .. كل شئ يبدو عادي تماما ، حقيقة اني وصلت الى الفندق ، حقيقة ان الارض لم تنشق و تبلع العربية في نقطة ما من الطريق ، او ان الطريق نفسه ما انقطعش في لحظة و ظهر في نصه تنين بينفخ نار ، حقيقة اني واقف ورا الحاجز با استقبل يوم عمل عادي .. كل ده بيؤكد ان كل شئ في الواقع اكتر من العادي .. فا ايه مبرر القلق ؟؟ انتبهت على صوت نسائي بيتكلم جنبي با المانية ذات لكنة روسية ، التفتت و لقطت عيني فورا الاعلام الثلاثة .. الالمانية .. البريطانية .. الروسية .. فوق الياقة النسائية .. هيلين زميلتي في الاستقبال بتسالني مالك !! ما فيش .. قلت لها .. ما نمتش كويس بس !! الحقيقة اني الاجابة دي فيها جانب من الواقع ، من يوم ما انتقل الى السكن في الطابق جيراني الجدد و انا مش قادر انام كويس ، ما فيش حد في الحقيقة في الطابق قادر ينام كويس !! يوميا في الثالثة صباحا او بعد كده بشوية بتبدأ الصلوات و الادعية بصوت مرتفع ، ما اعرفش كام بالظبط عدد السكان الجدد .. بس ممكن يكونوا تلاتة او اربعة .. كلهم من بلد ما من شمال افريقيا ، ما قدرتش احدد اللهجة بالظبط في المرات اللي سمعتهم بيتكلموا صدفة و انا داخل او خارج في نفس وقت دخولهم او خروجهم ، طلب مني باقي الجيران اني اكلمهم انهم يحتفظوا بأصواتهم في الحدود الخاصة بشقتهم و الا ح يضطروا يبلغوا البوليس .. قال لي الجار اللي كلمني انهم قرروا يعملوا محاولة من خلالي قبل ما ياخدوا اجراء بهذا العنف في حق جيران في النهاية !! وعدت اني ح اكلمهم و انطلقت الى عملي يومها .. لما رجعت في هذا اليوم كان معايا كريستينا .. تصادف و انا با افتح الباب ان واحد منهم خرج من شقته ، نقل نظرته بيننا احنا الاتنين .. و دور وشه اللي ظهر عليه تكشيرة واضحة .. تكشيرة انسان شاف عدو قديم له مضطر انه يتعايش معاه في نفس الحي او المكان لسنين .. ما نفذتش وعدي يومها و لا اي يوم تاني بعدها . ده صاحب التكشيرة ، اما صاحب الأبتسامة فواحد تاني منهم .. اول مرة اشوف ابتسامته كانت تاني يوم ، اول مرة اشوفه اساسا كانت تاني يوم .. خرجت يومها من الشقة ، و برضه كانت معايا كريستينا ، قضينا الليلة و خرجنا سوا الصبح ، و انا با اقفل الشقة بالمفتاح كان هو جاي و بيفتح باب شقتهم .. جاي مش خارج في هذا الوقت المبكر صباحا ، و ده بدا ليا غريب جدا وقتها ، و حدث ما بدا لي اغرب و اغرب !! ما قالش سلام عليكم او اي تحية بالعربي او بالألماني .. كل اللي عمله انه بص لي و ابتسم ، ابتسامة محقق لمتهم وقع بالكلام اثناء التحقيق .. ابتسامة طبيب لمريض كدب كدبة واضحة حوالين سلوكياته الطبية .. ابتسامة من هذا النوع الواثق ، اللي بيبتسمها شخص واثق في وش شخص موضع اتهام ، على قد ما كرهت هذه الابتسامة على قد ما حاولت انساها .. و اخرج صاحبها من دماغي تماما ، الحقيقة كل الشقة المجاورة بكل سكانها حاولت و با احاول اخرجهم من دماغي تماما ، رغم الصوت اللي بيعلا في الفجر . انتبهت على رنة تليفوني .. بصيت على الشاشة لقيت وش كريستينا المبتسم ، كم احب هذه الابتسامة ، ارتسمت على وشي ابتسامة انا كمان و انا با اضغط قبول .. و با ابدا انا بتحية الصباح (( صباح النور )) ردت و صوتها فيه نغمة استبشار (( صوتك فايق و نشيط .. شكلك كده في الشغل )) اضافت بنفس النغمة (( طبعا في الشغل .. اومال ح اكون فين ؟؟ )) رديت و الابتسامة لسه على وشي (( كويس .. الحقيقة انا كنت قلقانة عليك .. شكلك كان تعبان امبارح في آخر السهرة .. لما قلت لي انك احتمال ما تروحش الشغل النهاردة قلت ان ده ممكن اللي حصل )) حسيت بالأبتسامة و هي بتختفي من وشي (( هو احنا اتقابلنا امبارح )) سؤال غبي جدا .. من الواضح طبعا اننا اتقابلنا امبارح ، و غلط اني اسأل السؤال ده ، ح يخليها تشك في قواي العقلية ، المفروض اني اجاريها في الكلام و ما احسسهاش بحاجة ، و بعدين احل بيني و بين نفسي المشكلة دي ، مشكلة وقوع حدث كامل لسه حاصل امبارح تماما من الذاكرة .. لكن لقيت نفسي با اسألها هذا السؤال الغبي ، لسبب بسيط اني عايز اعرف فعلا .. لأن الفضول المرعب ماليني فعلا . لكن الحمد لله ، سمعت صوتها بتضحك بدل ما تقلق او تسكت او ترد اي رد يضاعف الخوف اللي بدأ يستقر اكتر و اكتر مع كل دقيقة بتمر في اليوم اللي مش باين له آخر ده . (( طبعا .. اتقابلنا امبارح .. و كلنا بيتزا و شفنا فيلم كمان .. انا الحقيقة ما كنتش عايزاك تروح .. خصوصا بعد ما قلت لي على حكاية جيرانك و انك مش عارف تنام ، انا عموما قلت لك رأيي .. لازم تبلغوا البوليس ، ما فيش حل تاني )) آخر حاجة عايزها دلوقت هي اني اناقش اي شئ له علاقة بجيراني دول ، مش و انا با احاول انساهم و اخرجهم من دماغي با اي شكل .. مش و انا فجأة امام هذه الحقيقة ان مناطق بتضيع من ذاكرتي و انا ما خدتش اي شئ مؤثر .. لا كحول و لا مخدرات و لا اي شئ اطلاقا .. مش و مدخنة اثرية با اشوفها فجاة من شباكي لأول مرة بعد سكن سنين في نفس المكان ، مش و اراضي بتتحفر و اساسات بتترمي حوالين بيتي و انا مش حاسس و لا شايف ، لأول مرة من سنين .. حسيت اني عايز اقعد و انا واقف في عملي في استقبال الفندق . (( الو )) نبهني صوت كريستينا (( ايوة معاكي )) سمعت نفسي با اقول (( انت رحت فين )) سمعتها بتسأل و صوتها بدا يظهر فيه القلق ، لقيت نفسي با أفتعل ضحكة (( كنت با افكر في اللي انتي بتقوليه .. الحقيقة الافضل اني اخللي جيرانني هما اللي يقوموا بالمهمة دي ، ده اكيد ح يحصل قريب جدا لما صبرهم ينفذ )) حاولت اني احمل صوتي بالمرح و الانطلاق على قد ما أقدر ، كل اللي انا عايزه دلوقت ان المكالمة تنتهي با اسرع ما يمكن ، و انها تنتهي نهاية طبيعية من غير اي اسباب للقلق . بدل ما ده يحصل لقيتها بتقول : (( عملت ايه في الفاس )) و بعدين في المصايب اللي ورا بعضها على راي سعيد صالح في العيال كبرت (( فاس ايه )) المرة دي جه صوتها جد جدا .. و قلقان جدا .. ما فيش ضحك .. و لا مرح .. صوت ما فيهوش الا جدية و احساس ان فيه شئ مش طبيعي (( يوهانس .. فيه ايه ؟؟ انت شربت امبارح في مكان قبل ما تروح ؟؟ )) حقيقة انها نادت لي با أسمي الألماني من غير تدليل بتعني انها بدات تقترب من الغضب .. الشئ الايجابي انها بتسأل اذا ما كنت شربت في مكان .. كريستينا بتغير دائما من فكرة وجودي في بار لوحدي .. طبعا مع احتمالية وجود ستات لوحدهم .. معنى انها حاسة بالغيرة يبقى ما فيش خطر على العلاقة .. او على الاقل ده اللي طمنت بيه نفسي . (( كريستينا .. الاسبوع ده كان صعب في الفندق جدا .. و فيه مليون حاجة في بالي .. قصدك اي فاس بالظبط )) ما فيش اجابة .. لولا صوت زميلاتها في الشغل بيتكلموا جنبها كنت افتكرت انها قطعت الاتصال .. اخيرا قالت بعد تنهيدة تكاد تكون مش مسموعة : (( الفاس بتاع بابا اللي انت خدته من مخزن الادوات عندي )) صمت قصير تاني .. و بعدين كملت (( قلت لي ان ليك صاحب عايز يحفر في الباك يارد عنده علشان يثبت عمود لطبق الساتلايت .. و افتكرت الفاس بتاع بابا )) صفر .. الذاكرة صفر .. مش فاكر الموضوع نهائيا .. و لا حتى ظلال من الذاكرة .. كل قلقي و خوفي خرجته في ضحكة مصطنعة عالية (( ياه .. تخيلي نسيت الموضوع خالص .. يبدو انه ما كلمنيش فنسيت )) تنهيدة سريعة تانية .. بعدها قالت : (( كويس .. يا ريت ترجعه في اسرع الوقت .. لو بابا جه و مالقوش في المخزن ح يعمل لي مشكلة .. انت عارفه في المسائل دي )) (( طبعا .. طبعا )) لما افتكر الاول انا حطيته فين .. فكرت و لقيت نفسي با اضحك المرة دي بجد .. شئ ما خلاني اضحك ضحكة قصيرة ، يبدو ان كريستينا ما انتبهتش ليها .. لأني لقيتها بتنهي المكالمة لان جالها شغل .. اتفقنا نتكلم بالليل .. و انقطع الاتصال . حطيت التليفون في مكانه على الحاجز و شفت حد بيخرج من الفندق .. بيعدي من الباب الدوار .. مش ده الجار صاحب الابتسامة ؟؟ ايوة .. بالتاكيد هو .. لا .. لا .. مش ممكن يكون هو !! سمعت هيلين بتسألني على حاجة .. بصيت لها .. الكلام طالع من بقها با ألمانيتها الروسية اللي بقيت افهمها كويس جدا .. المشكلة اني في اللحظة دي مش قادر افهم من كلامها شئ .. يمكن لو ركزت ح اقدر افهم .. لكن منين اجيب ذرة تركيز ؟؟ (( معلش يا هيلين ..فيه حاجة لازم اجيبها من العربية .. ح ارجع بعد دقيقتين بالظبط )) حسيت بنظرتها في ضهري و انا با امد بمشيتي و اخرج من باب الفندق الدوار .. بصيت في الشارع يمين و شمال .. راح فين ؟؟ اختفى تماما .. يا ترى كان هو ؟؟ مش ممكن يكون هو !! و حتى لو هو .. ايه المشكلة ؟؟ ايه مبرر الخوف ؟؟ ايه مبرر القلق ؟؟ مشيت لغاية العربية .. بس علشان ادي لنفسي الوقت الكافي قبل ما ارجع للفندق .. و انا قدام العربية .. و انا با استعد للرجوع .. خطر في بالي لسبب ما اعرفوش اني افتح شنطة العربية .. حطيت المفتاح و فتحتها بالفعل .. فوق العجلة الاحتياطية بالظبط لقيته مستقر .. فاس حديدي كبير .. بمقبض خشبي قصير . --------------------------------------------------------------------- ---------------------------------------- (3) ---------------------------------------------------- في مطعم ماكدونالز ، واقف منتظر دوري ، الطلب المعهود ، بمجرد ما بيجي دوري بتاخد مني الموظفة الفلوس و تديني الايصال من غير ما تسألني .. قهوة و تشييز برجر .. كل شئ معهود معروف .. و السنين بتتراكم با اطمئنان . با ابص على مدخل المطعم .. عدد من الاي باد متثبت على الترابيزات في المدخل .. بخدمة انترنت مجانية للزباين ، اتنين منهم فاضي .. اتمنى يفضل على الاقل واحد فاضي بعد استلامي للطلب ، و انا با ادور وشي تاني في اتجاه الموظفة و الطابور .. لفت نظري زبون بيدخل المطعم ، زبون عادي .. الا ان فيه شئ في وشه مش عادي !! با ابص له تاني .. با اركز اكتر في وشه لغاية ما بتفاجاني الابتسامة ، هو الجار صاحب الابتسامة ، بيدخل و على وشه نفس الابتسامه .. عيني بتلتقي بيعينه .. عينيننا بتثبت على بعض في نظرة ثابتة مؤكدة .. قبل ما تنزل عيني على ايده اللي بتتمد على قميصه و تفتحه .. تحت القميص حزام ناسف .. بترجع عيني لعينه تاني .. وشه ما بتفارقوش الابتسامة و هو بيضغط على الزرار .. و بيتحول المطعم و معاه الدنيا لأنفجار . ------------------------------------------------------------ --------------------------------------------------- (4) -------------------------------------------------------- صوت الصرخة مش لحد من الضحايا في المطعم ، دي صرختي انا شخصيا و انا با اصحى من النوم مقطوع النفس من الرعب ، مناطق بتروح من الذاكرة ، اشياء بتظهر و تختفي ، و دلوقت كوابيس ، كوابيس و ارهاب !! ده فعلا اللي كان ناقصني ، فين تراكم السنين المطمئن اللي كنت با اشتكي منه ، فين الملل ، فين الاحساس با ان كل شئ عادي و طبيعي ؟؟ كل ده بقى من الذاكرة .. ياريت كل ده يرجع و لو ليوم واحد .. يوم واحد افتكر طعم الاطمئنان كان ازاي !! مش ح اروح لدكاترة نفسيين . . اغبى فكرة جت على بالي و ما اعرفش جت على بالي ازاي اصلا !! الدكاترة النفسيين دول مجانيين كلهم و يجننوا بلد !! واصل حياتك زي ما تكون ، ايه يعني كوابيس ؟؟ كل الناس بتجي لها كوابيس !! كل الناس بتلاقي بقع دم في البانيو في حمامها ؟؟ بقعة دم برة البانيو .. لا .. بقعتين .. زي ما يكون دم ممسوح .. زي ما يكون كان دم اكتر و اتمسح و ده اللي فاضل منه ، الحمام زي ما يكون مغسول كله !! بصيت على جسمي .. بصيت في المراية .. ما فيش اي اثر لأي جروح او اصابات .. خرجت من الحمام و فتحت الدولاب .. فين الهدوم اللي كنت لابسها امبارح ؟؟ عدم وجود الهدوم يفترض انه يطمئنني و الا يقلقني ؟؟ يا ريت كنت اقدر اعرف . في الشغل كلمتني كريستينا عالمعتاد ، اتفقنا اني اروح لها بالليل ، و انا با احط التليفون مكانه لفت نظري ان الآب بتاع النووتس فيه رسالة .. فيه نوت بحاجة المفروض اني اعملها .. فتحت النوت لقيت كلمتين اتنين .. الفاس .. كيس الهدوم !! مش فاكر نهائيا اني كتبت النوت دي .. المفروض اني اتعود على وقوع مناطق من الذاكرة لغاية امتى ؟؟ و الفاس ده اكيد المقصود الفاس بتاع ابو كريستينا .. المفروض اني ارجعه .. طيب و ايه كيس الهدوم ؟؟ افتكرت الهدوم اللي مالقيتهاش في الدولاب ، عصرت مخي في محاولة اني الاقي رابط ما .. في محاولة لتذكر شئ ما . بالليل عند كريستينا كان لسه مخي بيفكر في الموضوع ، رغم الشموع و الجو الرومانسي ، انتبهت في الحقيقة للشموع و الضؤ الخافت و الموسيقى .. رجعت بذهني للمناسبات اللي ممكن اكون نسيتها ، عيد ميلادها ، ذكرى لقائنا ، سألتها في الآخر لما غلب حماري .. قالت انها عايزاني استرخي و احس بالراحة ، قالت انها حاسة اني مش سعيد و قلقان في الايام و الاسابيع الاخيرة و انها قلقانة عليا .. بغرابة شديدة حسيت بدموع بتتجمع في عيني ، حضنتها و قلت لها تطمئن .. سألتني اذا كان فيه مشكلة في الشغل ، قلت لها بالعكس .. كل حاجة ماشية في الشغل كويس .. قلت لها اني با احب شغلي جدا ، بيفكرني بالمطار ، قلت لها اني با احب المطارات جدا ، و با احب السفر جدا .. و فجأة لقيت الدموع بتنفجر من عيني .. وشها القلقان الحنون دفع الدموع اكتر و اكتر ، سألتني مالك .. قلت لها ما فيش .. بصيت حواليا للشموع و حجرة المعيشة الانيقة .. و قلت لها بس حاسس ان كل شئ جميل .. اجمل من انه يكون حقيقي .. كل شئ هادي و مريح جدا .. و انخرطت في بكاء عميق . -------------------------------------------------- --------------------------------------------------------- (5) ---------------------------------------------------------- و بتتراكم الايام تراكمها القديم ، الاطمئنان القديم بيبدأ يعود ، عيادات الطب النفسي لا تقود الا الى الجنون ، واصل حياتك بثقة مهما واجهك ، و بالتدريج ح ينتهي الكابوس .. واقف ورا الحاجز في الفندق ، يوم عمل مرح ، وفد موسيقي من الدنمارك ، اعضائه مرحين و حبوبين ، ملوا الصباح بالمرح .. ابتسامة هيلين جميلة ، النهاردة فستانها اقصر من المعتاد فوق الركبة ، بدون جوارب سواداء يبقى معناه ان الصيف دخل او على الابواب ، حاولت اني امنع نفسي من النظر ، او على الاقل ما يبانش ليها اتجاه عيني ، رن التليفون ، بس ده مش وش كريستينا اللي مبتسم على الشاشة ، وش تاني مبتسم بس بالتاكيد مش لكريستينا .. ثانيتين و جمعت الصورة على هوية المتصل و حطيت التليفون على ودني بعد ما ضغطت قبول !! جاري في العمارة بيسألني على جيراننا العرب ، بقا لي مدة ما باأسمعش الاصوات لأي ادعية او صلوات على الفجر ، كنت فاكر اني نجحت تماما في اخراجهم من ذهني ، لا ابتسامات في الذاكرة و لا كوابيس و تفجيرات في الاحلام ، قلت له اني ماليش بيهم اي صلة ، و مش عارف هو منتظر مني اعرف عنهم ايه بالظبط !! لحظة صمت على الطرف التاني من الخط لقيته بعدها بيسألني با استغراب اذا ما كنتش شميت الريحة !! حسيت بشعور من الانزعاج و الخوف بيزحف جوايا كنت فاكر انه خلاص راح لحاله و ان الحياة بدات ترجع لطبيعتها من تاني ، سألته ريحة ايه اللي يقصدها ، قال لي ان العمارة كلها شمت الريحة و من الواضح انها خارجة من شقتهم .. ممكن يكونوا في اجازة او زيارة برة المدينة و ممكن يكونوا سابوا حاجة عفنت في الشقة او يكون عندهم حيوان نسيوه و حصل شئ مؤسف في غيابهم !! مش فاكر اني شفت مع حد فيهم كلب .. صعب اصلا ان الجيران دول بالذات يربوا قطة او كلب !! في النهاية قال لي انهم قرروا يبلغوا البوليس و حبوا انهم يحطني في الصورة .. شكرته و انقطع الاتصال . لحظة ما انقطع افتكرت فجأة اني حلمت بيهم امبارح بس .. ما كانش كابوس المرة دي ، اني با اخبط على الباب و واحد فيهم بيفتح لي زي ما يكون بيننا موعد .. زي ما نكون اصدقاء قدامي .. في شقتهم كان اللي فتح لي الباب و اتنين نايمين .. قلت له انا خايف لنزعجهم .. فقال لا ما فيش مشكلة او حاجة زي كده .. بقايا حلم .. بقايا ذاكرة . مرح اليوم انتهى طبعا ، و كأن الجيران دول مرتبطة سيرتهم بالقلق ، فكرت بالفعل ان كل حاجة كانت ماشية كويس لغاية ما ظهروا ، امتى بقى يعود الاطمئنان القديم ؟؟ مش النهاردة ده اكيد .. لما وصلت البيت لقيت عدد من سيارات الشرطة في المدخل .. باب شقة الجيران كان مفتوح و بيدخل و بيخرج منه نشاط بوليسي كثيف .. تقدم واحد من الشرطة مني و لقيته بيقول اسمي لما قلت له ان انا هو الشخص اللي ذكر اسمه طلب انهم يتكلموا معايا و قال ان المسالة مش ح تاخد وقت كتير .. قلت له يتفضل يتكلم .. فقال ان الأفضل ان الحديث يتم عندي في الشقة ، فتحت باب شقتي و دعيتهم للدخول .. كانوا اتنين فقط اللي دخلوا و من اللحظة الاولى لدخولهم رجع الاحساس بالانزعاج يزحف جوايا بقوة و حدة اكبر . واحد فيهم كان بيمشط شقتي بعينيه كانه بيبحث عن شئ ما او دليل ما !! فيه ايه بالظبط ؟؟ سألت الظابط هذا السؤال فقال لي ان جيراني .. عددهم ثلاثة .. من اصول شمال افريقية .. تم قتلهم جميعا با استخدام اله حادة .. فاس او معول .. قال ان الحادث حصل من حوالي اسبوع زي ما الشواهد بتقول و قال ان الشواهد بتقول ان الجاني دخل بشكل طبيعي و استغل انشغال احدهم في المطبخ و هاجمه من الخلف قبل ما يتوجه للاتنين التانيين اللي كانوا نايمين و يهاجمهم على التوالي !! فكرت فورا في الجار صاحب الابتسامة .. ايه اللي خلاني افتكر الكابوس ؟؟ حسيت با انزعاج بيتصاعد جواي زي بركان .. هجمة اكتئابية حادة . كانت عين واحد من الظابطين مش مفارقة وشي بينما التاني بيجول بعينه في اركان شقتي كلها .. نظراتهم هما الاتنين ما ريحتنيش .. قلت لهم ان ما كانش ليا بيهم اي صلة و ما عنديش اي فكرة عن ايه اللي ممكن يكون السبب في هذه الماساة .. طلب مني لو افترت حاجة اني ابلغهم و قال لي انهم لقوا بصمات بالفعل و ان اللي عمل كده سيقع في ايدهم في خلال ساعات .. ما عجبتنيش نظرته خالص و هو بيقول كده لسبب ما فهمتوش و ما قدرتش احدده . بعد خروجهم اتصلت بكرستينا .. قلت لها اني عايز آجي ابات عندها الليلة .. ما قلتلهاش حاجة .. غير اني متضايق شوية ، قالت لي مستنياك .. و قبل ما اقفل قالت لي استنى .. توقعت انها تغير رايها و ده ملاني بالضيق .. لكن لقيتها بتقول ارجوك ما تنساش الفاس المرة دي .. مش للمرة المليون .. تنفست با ارتياح و قلت لها حاضر . افضل شئ ان اطلع الفاس قبل ما اتحرك و احطه على الكرسي اللي جنب كرسي السواق علشان ما انساهوش !! فكرت اني محتاج اغير العربية .. محتاج اي تغير في حياتي يبعث على الامل .. فتحت باب شنطة العربية .. لقيت صرخة مكتومة بتخرج مني زي ما يكون معاها بتتقطع ضلوعي .. فوق العجلة الاحتياطية بالظبط لقيته مستقر .. فاس حديدي كبير .. بمقبض خشبي قصير . غرقان بالدم .. و جنبه كيس بلاستيك زي ما يكون كيس هدوم .. برضه غرقان بالدم