رواية طوكيو .. طوكيو !! المقاطع الأولى من الكتاب الثاني ( ما بعد المنفى ) !!

( 1 )

عندما يرسل لك شون العجوز رسالة اليكترونية فذلك  أمر يستحق الانتباه  !! كان قد مر على انتقال شون الى طوكيو ما يقارب الشهرين  !! فتح الرسالة على عجل ظهر له الوجه المبتسم لصديقه على الشاشة J و بعدها قرأ :
لقد قرئت يا عزيزي بوب ما كتبته تحت عنوان  ( المنفى ) !! واقع الامر انني لم افعل شئ آخر منذ استقر بي الامر في طوكيو  ادخل على نفسي  سعادة كتلك التي وجدتها في قراءة تلك الرواية !! رواية ؟؟ اليس كذلك ؟؟ و دون اي زيادة انها شئ رائع !! اعتقد يا صديقي انه آن الأوان للعودة الى مدينتك !! طوكيو تنتظرك !! و ستجد في طوكيو من سيلتقط موهبتك !! لا تضع مزيدا من الوقت في تلك البلدة اللعينة !! ستنقضي سنوات عمرك عبثا !! انت طاقة مهدرة هناك !! استمع الى نصيحتي لن تندم !! لقد تغيرت طوكيو كثيرا عما سبق !! لم يعد احد يذكر البرج و لا حادث البرج !! انسى هذه الوساوس و اركب فورا اول قطار الى طوكيو !! لقد تقدمت بالمخطوطة الى صديق اوصلها الى يد ناشر وافق على نشرها على شريطة بعض التعديلات  !! انها فرصتك و لن تأتيك الفرصة مرتين !! كل ما عليك هو المجئ و الحديث معه و انهاء ما يريد من تعديلات !! لا تضع دقيقة واحدة !!
صديقك
شون
J
أعاد قراءة الرسالة أكثر من مرة !! كان قد اعطى لصديقه مخطوطة بخط اليد تتضمن ما سماه ( المنفى ) !! جاء ذلك بعد الحاح منه و وعد با أرسالها بريديا مع انتهائه من قرائتها !! و هاهو الآن يدعوه للرحيل الى طوكيو للتفاوض حول نشرها !! عمل على تقليب الامر في ذهنه على كافة وجوهه !! وجد ذهنه يتشتت في كل مرة يعيد قراءة الرسالة فيها !! و بعد جهد استطاع ان يحصر الأمر في احتمالين اثنين !! الاول : صاحبه انما يعاني الوحدة هناك !! في طوكيو !! ما من احد اكثر منه يعرف وطاة الوحدة في طوكيو !! و على ذلك فالعرض بالنشر ليس الا حيلة من صديقه لدفعه الى الذهاب الى طوكيو و هناك تكون قدماه قد غرست في رمالها المتحركة من جديد !! الاحتمال الثاني : ان يكون العرض حقيقيا !! هل يعقل ان يكون العرض حقيقيا ؟؟ و لم لا ؟؟ انه لم يعهد شون عابثا على هذا النحو في شأن حيوي يتعلق با انتقال و حياة !! و لم لا ؟؟ جرفه غرور !! سيدتي الكتابة انا ملكك من جديد !!  أفاق على صوت العاملة في دار الكتب حيث يدخل عادة  الى الشبكة الالكترونية !! لقد حان وقت الاغلاق !! وجد نفسه يكتب سريعا ردا الى صديقه !!
عزيزي شون !! اذا كان ذلك الناشر جادا فعلا فليرسل الي بتكاليف السفر !!
كتب هذه الكلمات و غادر الدار .. وجد نفسه يدور في الشوارع على غير هدى !! طوكيو من جديد !! ماذا اذا كان العرض فعليا ؟؟ ماذا اذا تم ارسال تكاليف القطار بالفعل ؟؟ هل سيعود الى طوكيو مجددا ؟؟ شون يقول ان طوكيو قد تغيرت !! هذا هو ما يخشاه !! با أي قدر قد تغيرت ؟؟ با أي كيف قد تغيرت ؟؟ ماذا قال شون ايضا في خطابه  ؟؟ حاول ان يتذكر !! لقد تسائل عن ما اذا كان النص يعتبر رواية !! يا له من سؤال !! و هل يسأله الناشر ان وجد حقا عن ما اذا كان النص رواية ام لا !! و ما نوع ما يريد من تعديلات ؟؟ هل يستطيع انجاز هذه التعديلات ؟؟ هل سيجد نفسه من جديد عاملا في المطاعم بينما يقوم في الوقت نفسه بالعمل في الكتاب !! ام هل يوافق الناشر على دفع مقدم يعفيه من العمل ؟؟ اسئلة كثيرة صارعت نومه حتى فجر اليوم التالي .

( 2 )

تبتسم لك !! تنعش آمالك !! تطير بك على اجنحة الامل و السعادة !! ثم تنقض عليك فتجد نفسك في درب مسدود لا مفر منه !! انها طوكيو ..  ليس في الامر جديد !! عليه ان يحزم امره !! عندما كان يتناول قهوته الصباحية وجد نفسه امام قرار نهائي : اذا ما تم ارسال تكاليف السفر اليه سيسافر !! لا مجال لتردد و لا مكان لمخاوف !! سيعود الى طوكيو و يترك المدينة تنشب سهامها فيه من جديد !! ماذا لديه ليخسره ؟؟ هذا السؤال !! ماذا لديه ليخسره ؟؟ كانت افكاره تدور و تصارع و تناور ثم تنصب اخيرا ليجدها متبلورة في هذا السؤال !!
غادر المقهى و قد شعر با أنه قد وصل اخيرا الى شئ ما !! فليتعامل مع المسألة برمتها بمنطق الربح و الخسارة !! المنطق المادي للربح و الخسارة دون اي اعتبارات أخرى !! نزهة الى طوكيو مدفوعة الاجر !! جلسة مع الناشر !! مطلب واحد لا مناقشة فيه و لا تراجع !! ان يحصل على مقابل مادي  يجنبه  مشقة العمل بينما يقوم با اعداد التعديلات المطلوبة !! و ان يحصل على عائد جيد بعد مثول الرواية للطبع !! جيد بحيث يكفل له حياة كريمة يتفرغ فيها لكتابة الكتاب التالي !! نعم !! لابد ان يكون مستقبل اقامته في طوكيو مؤمنا و غير خاضع لتقلبات الزمان و خناجر القدر !!
عندما استقر به التفكير اخيرا توجه الى دار الكتب !! جلس الى الحاسب الآلي !! قام با ادخال بيانات بريده الالكتروني !! و جلس ينتظر ظهور الصفحة الالكترونية حابسا انفاسه !!

( 3 )

نتابع  طوكيو و هي تنفذ سحرها فينا !! رباه لكم تغيرت المدينة !! شعر بهذا التغيير فور وطأت قدمه ارض محطة القطار !! نعم !! وافق الناشر على دفع تكاليف السفر مع اقامة كاملة في أحد فنادق المدينة المتوسطة لثلاثة  ايام !! فيما مضى كان بائعوا المخدرات ينتشرون في اركان محطة القطار !! الشحاذون !! عازفوا الموسيقى !! الخ .. اليوم تبدو المحطة نظيفة لامعة !! لاحظ انتشار رجال الشرطة في المحطة و ما حولها !! الشعور الذي داهمه في طريقه الى الفندق هو شعور بالأمن !! لقد أصبحت المدينة اكثر امنا !! انه امن يحاصرك !! ليس ذلك هو النوع من الأمن الذي كانت تكفله طوكيو قديما !! و لكن !! هل كفلت طوكيو فيما سبق اي قدر من الأمن ؟؟ وجد نفسه غارقا في المقارنة بين التفاصيل !! تفاصيل اختفت و لم يعد لها من أثر و تفاصيل أخرى حلت محلها .. انها عاصفة من التفاصيل هبت على ذهنه المشتت و وصل أخيرا الى حيث يقع الفندق !!

( 4 )

أصداء كأنها قادمة من عالم آخر !! تقذف به الى اليقظة !! يستيقظ يتحسس بعينه المكان ثم يدرك انه في الفندق !! انها أصوات طوكيو تقذف بنفسها الى الغرفة المظلمة !! لقد نسي الضوضاء في البلدة الهادئة !! يعود الى النوم فقط لكي تلقي المدينة بضوضائها من جديد على احلامه فيستيقظ مجددا !! ذلك ازعاج لا يحتمل !! و لكن طوكيو كانت دائما مزعجة بضوضائها !! انها نفسه التي لم تعد تطيق الازدحام !! و استيقظ اخيرا فا أدرك ان النوم اصبح مستحيلا !! نظر الى ساعته فوجدها تشير الى الثانية بعد منتصف الليل !! الأفضل ان يشرب قهوة سوداء !! و يبدأ في الكتابة !! عليه اولا ان يكتب احداث اليوم الاول في طوكيو !! دار النشر !! اللقاء مع الناشر !! تلك مذكرات لابد و انها ستفيده يوما ما !! و ثانيا !! عليه ان يرى اذا ما كان قادرا بالفعل على انجاز ما يريده الناشر !! ذلك هو سؤال الليلة بلا منازع !!

( 5 )

يوما ما سيدخل الى البحر ... سيسبح فقط الى الأمام ... فقط الى الأمام و لن تنقطع انفاسه أبدا !! سيصل حينها الى مكان ما .. او سيعود من حيث اتى ... الى احضان البحر !! ان ما تفعله طوكيو حقا بنا هو اجبارنا على الأيمان بالحياة كحلقة مفرغة لا غنى عنها !! اما الخروج منها فهو قدرٌ ما أسعد القادر على ان يصنعه لنفسه صنعا !!

( 6 )

سيدخل اللقاء مع الناشر بالتاكيد في موقع لائق الى جوار احداث اخرى لا سبيل الى نسيان تفاصيلها في حياته !! كان الأتفاق مع شون العجوز على اللقاء  في مكتب الرجل .. و لذلك فقد كان عليه ان يضع متاعه  في الفندق و يتوجه رأسا الى هناك !! في طريقه وجد نفسه يحاول تحديد مشاعره نحو هذا كله .. ان سعادة الامر الواقع ان ما كتبه يمثل قيمة ما تستحق ان تنشر كانت لا تزال محاصرة بالتساؤل حول طبيعة ما يريده الناشر من تعديلات و ما اذا كان قادرا على اتمامها !! و هناك ايضا هذا الشعور الزائد بالأمن الذي يكفله التواجد الشرطي المكثف !! لقد أخذ قدرا ليس باليسير من متعة ان تكون في طوكيو كما عهدها في السابق !! جانب كبير من نشوة الفكرة انك انما تسكن طوكيو كان فيما سبق ناتج عن حقيقة انك تغامر عندما تضع نفسك هنا !! كانك بوجودك تلعب دورا في فيلم سينمائي تنتجه المدينة بسكانها و شوارعها !! عندما كان يفكر في فعل الكتابة و هو في طريقه الى مكتب الناشر كان يجد هذا الفعل في نفسه ابعد ما يكون عن التعديل او الاضافة فيما تمت كتابته بالفعل ... هذا المشهد الجديد للمدينة و ان بدا خانقا له ... كان كانما يدعوه للفرار من هذا الاختناق بكتابته  ... ان كتابة اليوم و الساعة هو ما يعنيه الآن و ليس كتابة ما مضى !! و هناك ايضا الحنين !! هذه البلدة التي  اوشكت ان تقتله مللا .. وجد نفسه بعد ساعات قليلة من فراقها يفكر فيها كموضوع شديد الجاذبية للكتابة .. و للحنين !!
و وجد اخيرا مكتب الناشر بعد ان اوشك البحث ان يعييه      .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق