Death ‎Story ‎ ‎قصة ‏قصيرة ‏بالعامية ‏المصرية ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏

( 1 ) 

“ ما فيش حاجة نقدر نعملها في المستشفى  مش متوفرة عندك  في البيت .. الادوية في موعدها بالظبط .. و الفانتليتر اغلب الوقت و النظام الغذائي .. اتمنى لكم التوفيق “ 
بس  كده .. ده كل اللي قدر عليه طبيب في بلد المفروض انها عالم اول .. و المفروض اني اراقب  ريني   في السرير و انتظر حكم  القدر ..  .. 
مش ح يحصل .. مش ح  افقدك يا ريني .. آلآف عبروا كوفيد  في المانيا و غير المانيا .. ليه المفروض  اني اقعد جنبك  و اراقب بعيني احتمال اني افقدك .. فيه شيئ  غلط في الموضوع .. فيه  شيئ ظالم .. شيئ  قبيح  ظالم 
الادوية  بتدخلها في فترات نوم طويلة .. و انا جنبها با راقب نومها .. لسه  وشها جميل تحت قناع  الاوكسجين .. لسه  كأن  ملامحها بتبعت رسالة سلام  للوجود كله  .. فيه  حاجة لازم اعملها .. فيه  شيئ ما لازم  اقوم به  علشان  تعبر و تعدي و ترجع  لي اجمل كمان  من  الأول .. لو ح الف المانيا  كلها .. لو ح  الف اوربا كلها .. مش قادر اتصور اني افضل جنب سريرها منتظر .. منتظر انها تخف او انها ترحل .. مش ممكن يكون ده  هو الحل .. أكيد فيه شيئ  اقدر اعلمه .. بس هو ايه  الشيئ ده .. بس  لو اعرف  ..  مش ح اتردد ثانية  في تنفيذه  ايا كان 

( 2 ) 

الفترة اللي عرفت فيها  ريني قبل  ما ادخل السجن دايما  ضبابية في   ذاكرتي .. مش فاكر حتى احنا اتقابلنا كام مرة  بالظبط .. وقتها  فكرت  فيها على انها علاقة  نسائية عابرة .. ح  نتقابل  كام  مرة  و كالمعتاد .. خلاص .. بتيجي النهاية  ...   ريني  جميلة .. ما فيش شك  في ده ..  لكن ما استقرش في عيني  حقيقة  قدر الجمال اللي بتتمتع  بيه ملامحها الا لما لقيتها قدامي  في غرفة الزيارة  في السجن .. لما  قالوا لي عندك زيارة تصورت  انه المحامي .. او اي  حد من اصدقائي المعتادين .. لما لقيتها  قدامي .. لما اتلاقت  عينينا .. دي هي اللحظة  اللي ادركت فيها اني  وقعت في حبها .. لما قعدنا  فضلنا مدة  ساكتين .. بس بنبص لبعض .. لما بدأت اتكلم شاورت  لي با ايديها  اني اسكت .. قالت لي انها مش عايزة تعرف  أي حاجة .. هي عارفة انها قضية  اتجار في مخدرات .. حشيش .. مش  افيون  و لا كوكايين و لا بودرة  و لا  حبوب ..  حكم مش  ح يزيد  عن  سنة .. المهم عندها  اللي بعد  كده 
قلت لها : “ بعد كده انا ملك  ايديكي “ 
بصت لي  و ابتسمت .. يااااااه .. قد  ايه كانت ابتسامتها  دي جميلة 
جوازنا  تم و انا  في السجن .. وقتها  لبست بدلة الفرح .. جه  الحارس للزنزانة  و خدني على قاعة  الزيارات .. القاعة  اللي ح  تتم فيها اجراءات الزواج الرسمية .. طول  فترة ما انا  في الطريق  للقاعة .. و اثناء عبوري على  باقي الزنانزين .. كل زملائي المساجين  كانوا واقفين  في فتحات  زنازينهم  .. كلهم  بيخبطوا بالمعالق على ابواب الزنانزين .. اصوات  التهاني .. و صيحات  التشجيع .. حتى الحراس وقتها .. ما كانوش  من الحراس اللي مشهورين انهم  طيبين ..  بالعكس .. كان فيهم  واحد  متهم بالعنصرية و الشر عند مساجين كثير .. لكن مع ذلك كان على وشه ساعتها  ابتسامة  و نظرة هدوء و سلام .. كل الحراس  كانوا مبتسمين لتشجيع زمايلي  و تهانيهم .. فيه حاجة  بيفرضها وجود  ريني دايما على  اي محيط  تظهر  فيه ...
الهدوء ... السلام

( 3 )

الحظر رجع تاني للمدن الالمانية .. المقاهي .. المطاعم .. اغلب  المحلات .. ما فيش قدام الجميع الا جدران البيوت .. و الانتظار .. 
مكالمة  وسام  اليومية  بقت حاجة من حاجات الروتين  اليومي المعتادة ..  وسام هو  صديقي  المصري  الوحيد  في المدينة  ..  رغم  خلافاتنا  في مسائل  كثير ..  الا ان صداقتنا صامدة صمود  حنيننا  احنا الاتنين .. لكل اللي فقدناه  و سبناه ورانا  هناك ..  مع  الاهل و الاحباب 
“ فيه حالات كثير جدا  في مصر .. المشكلة ان ما فيش  شفافية “ 
لما طال الصمت من ناحيتي  و ادرك ان ما فيش رد متوقع  مني لجملته  دي  قال ببساطة 
“ ما تيجي ننزل نتقابل .. مش لازم  نقعد في مكان .. ممكن نجيب علبتين  بيرة و نشربهم  في اي  جنينة “ 
“ الحقيقة  انا كنت عايز اقول لك اننا نتقابل فعلا .. بعد خمسة .. مامة  ريني ح تيجي و اقدر اسيبها  معاها لغاية  ما ارجع .. بس انا  في في دماغي  مشوار معين “ 
“ انا  تحت امرك .. قل لي ايه  اللي في  دماغك “ 
“ صاحبك .. صاحبك اللي اتكلمنا عنه  قبل كده .. احنا ممكن  نروح له مع نهاية  ورديته في البنك .. مش كده  ؟  “ 
مدة  طويلة عدت من  الصمت .. اطول من المعتاد  في  اي مكالمة  مع  وسام .. لما طالت  عن الاحتمال .. لقيت  نفسي با أقول : 
“ ما اقدرش  اقعد انتظر يا وسام .. لازم اعمل حاجة .. اي حاجة .. انت عارف ريني  بالنسبة لي  تبقى ايه .. ما اقدرش  اقعد انتظر احتمال  اني  افقدها “ 
“ ما تقولش  كده .. مش ح  تفقدها  و لا حاجة .. عدد  اللي  عدوا من  كوفيد   اكثر بكثير جدا من  اللي .... .. “
ما كملش الجملة .. قلت  له :
“ عارف .. عارف  كل اللي ح  تقوله .. لكن برضه الانتظار ح يقتلني .. عندي احساس غريب ان  فيه  حاجة  ممكن  تتعمل .. اني  لازم اعمل حاجة .. دماغي ح  تنفجر من التفكير .. في الاخر لقيت نفسي با افكر في صاحبك  ده .. و في الكلام اللي  احنا اتكلمنا  فيه قبل  كده  كثير “ 
فترة  صمت .. ما طالتش  المرة دي  زي المرة  اللي  فاتت .. و لقيته  بيقول  لي :
“ خلاص .. تمام .. نتقابل خمسة و نص في الكونجز بلاتز .. و نكون عنده على ستة  الا ربع  .. او ستة   الا عشرة ...  هو بيخلص  شغله على  ستة “ 

( 4 ) 

لو اي  انسان بيتسأل في  نهاية حياته .. عن احلى ايام  قضاها .. اكيد فيه منطقة عنده  في الذاكرة .. بتحتفظ  بفترة ما من عمره .. على انها اجمل ايام  العمر .. من وقت خروجي من الحبس ..  و انتظامي  في عمل محترم .. و بداية  حياتي  المشتركة  مع ريني  .. لغاية  ما ضرب الوباء  الدنيا و ضرب حياتنا  معاها .. هي دي الفترة اللي لو انا محكوم  بالاعدام و بيسألوني  احلا  ايام عمرك كانت  ايه .. ح  اقول هي  دي  بكل تأكيد ...  فيه تصور بييجي للانسان طول عمره عن السعادة .. لغاية ما بيحصل انه  بيلاقيها فعلا .. ساعتها  بيعرف ان السعادة  شيئ مختلف عن كل اللي تصوره  قبل كده .. اكبر و اعمق من اي شيئ  تصوره  قبل كده ... اهدى  كمان 
الهدوء .. ما  اجمل  الهدوء 
فاكر تفاصيل معينة ..  السعادة  لو ح نحاول نستعيد  ذكرياتها .. دايما بتلاقيها مرتبطة  بتفاصيل بعينها .. بيمسك  فيها القلب و يتشعلق .. مثلا .. لما  دخلت مرة  أوضة  النوم .. و افتكرت  بعد ما قعدت  على السرير اني  سبت  نور الصالة  والع .. جيت اقوم .. قالت لي رايح  فين .. قلت لها  نور الصالة ... لقيتها  بتضحك .. بتضحك ضحكتها العميقة .. الرقيقة  في نفس الوقت ..  بعد  الضحكة  قالت لي  و الابتسامة  لسه في عينيها  :
“  اقدر اتصور نوعية  النساء الالمانيات  اللي انت صاحبتهم .. ده  بيتك .. ما حدش ابدا مهتم انك  تقفل النور او تسيبه .. انت خلاص في السرير مرتاح .. ده  اهم من فاتورة  النور “ 
لقيت نفسي با اضحك انا كمان .. الموقف العفوي كله فكرني فعلا بعلاقات من غير دفا .. افتكرتها  في اللحظة  دي  و انا  مبتسم ..  و انا با اغوص  مع ريني اكثر .. في دفا  السرير ... 
شيئ غريب  مع ريني .. ان حتى الذكريات اللي مش طيبة  او ممتع تذكرها .. معاها  دايما بيفتكرها  الواحد و هو مبتسم .. و كان كل ده كان  في حياة  تانية .. خلاص .. انتهت .. و اللي موجود  دلوقت هو ريني .. هي  و بس ...  او ان  كل  ده حصل  لحد تاني .. الواحد ممكن  يبص لأي  خبرة   بتخصه  و هو مبتسم  مهما  كانت  مش  مبهجة ...
شيئ رائع انك تحب امراة جميلة .. و انك  تتحب من امراة جميلة .. لكن جمال ريني مش  مجرد جمال  لبنت ممكن تلفت  نظرك بالذات لو شفت صورتها  مع مجموعة  بنات ... لأ .. فيه  حاجة اهم من كده بكثير .. انه  جمال  بنت ذكية .. قادرة تلقط  التفاصيل .. قادرة  تدرك في كل  موقف ابعاد  و زوايا ما  يلتقطهاش  الا   ذهن   ذكي ...
لما با كنت  با احكي لها عن مصر بالذات  .. كنت با اشوف في عينيها نظرة خاصة .. ببريق خاص .. بريق  كنت با اشوفه دايما في عينيها و هي بتراقبني في مواقف معينة .. احساس با اعجاب خاص .. عميق .. يمكن هوه الاعجاب اللي قاد خطواتها انها تزورني في  السجن .. و احنا علاقتنا  وقتها ما كانتش في نظري  الا علاقة  عابرة .. زي اي علاقة  تانية  عابرة .. فاكر مثلا اني  حكيت لها على  ابو قردان .. ازاي انه  طائر موجود في الريف في مصر .. لكن  مع ذلك ممكن تلاقيه  في القاهرة .. او تحديدا في الجيزة .. حوالين  حديقة الحيوانات .. لما  وصفت لها الطائر لقيت في عينيها اهتمام خاص .. و الملفت هو السؤال اللي سألتهولي  وقتها .. ازاي طائر زي ده  ممكن يتواجد في منقطة معينة بالذات من المدينة .. بس حوالين  حديقة الحيوانات .. مش  في اي مكان تاني فيها ... مفهوم  انه يكون موجود  اكثر حولين الحديقة .. لكن ايه  اللي يمنعه  انه يتواجد برضه في اماكن تانية  من المدينة  ؟؟   
مرة   كنا مع بعض  في سوق الخضار و الفاكهة ..  و شفت التين الشوكي  في  واحدة  من نصبات الفاكهة ...  تين شوكي  في قلب المانيا .. لقيت نفسي  با احكي  لها  عن عربيات التين الشوكي في مصر  ... قلت  لها ان الفاكهة دي موجودة  في مصر كثير .. بس مش ممكن ابدا تلاقيها  زي هنا في سوق الخضار و الفواكه .. او  تلاقيها على نصبة   فاكهة  في محل .. موجودة  بس على عربيات .. عربيات  باعة  جائلين .. هما دول .. و دول  بس .. اللي مسموح لهم  ببيع التين الشوكي  في مصر .. برضه  لقيت في عينيها  الاهتمام .. و الابتسامة .. و التساؤل  المرح .. ايه  اللي يمنع انها  تتباع في الاماكن اللي بتتباع  فيها الفاكهة  ؟؟
نظرة  التساؤل .. نظرة الاهتمام .. النظرة اللي كنت با  الاقيها  بتراقبني بيها  و انا با احكي لها .. و خصوصا لما  با احكي عن مصر .. نظرة  حد مهتم بيك .. مهتم  انه يعرف اكثر و اكثر و اكثر  عنك .. مش الحب  في معنى  كبير من معانية .. هو احساسك  ده انك  عايز تعرف انسان  اكثر ؟؟ ما بتشبعش  من معرفته   اكثر و اكثر !! 
مرة   برضه  من المرات    جت سيرة  مصر .. و قلت لها اني  كنت با  اشوف فراشات  كثير في   القاهرة زمان .. و انا صغير .. و في  بدايات الصبا و الشباب .. مع  مرور الزمن .. لاحظت ان الفراشات بدات  تقل في القاهرة بشكل  ملحوظ جدا .. في المرة دي برضه  لقيت الاهتمام  و التساؤل .. و معاه  نظرة  مش مرحة  المرة دي .. لكن جميلة  برضه .. زي ما تكون نظرة  حنين ...  رائعة  الجمال ..  ليه بدأت  تقل ا لفراشات ؟؟ 
اما  اجمل اللحظات عندي على الاطلاق .. فهي اللحظات  اللي با شوفها فيها بتضحك  بسبب حاجة انا  قلتها .. او عملتها ... كثير .. كثير جدا .. اقول حاجة  عفوية  جدا .. او اعلق تعليق معين .. و الاقيها  بتنفجر في الضحك .. ما  اكثر الاشياء اللي في كلامي  بتضحكها .. بعد  ما بتخلص الضحكة  بتفضل الابتسامة  و معاها النظرة ..  نظرة  بتتفحصني .. يا ترى  فيه معنى تاني للوجود من غير النظرة  دي  ؟؟ 
من  اول ما عرفنا بعض و هي عارفة  اني با اكتب شعر .. جانب تاني كانت مهتمة  جدا  انها تعرفه .. با اكتب عن ايه  بالظبط .. تجاربي  كلها مع الكتابة .. بتحب مين  من الشعراء الالمان .. لما طلبت مني اني اترجم  لها اي حاجة انا  كتبتها للالماني  دورت في مخي على اي شيئ .. اي حاجة  ممكن  تترجم و تسيب اي  اثر .. ترجمة الشعر مهمة  صعبة جدا .. و معقدة جدا ... 
في الاخر رسيت  على رباعية  كنت كتبتها  زمان  .. قبل حتى ما  اقابلها    او  اعرفها   بكثير 

حبك  ده عركة و قلبي فيها انهزم 
عالقلب  مكتوب  النعيم  و الألم 
ما أندمش على  حبك  ..   و  لا   عالفراق
 اصعب  حروف  العشق  كلمة  ندم 

بعد ما ترجمت  لها  الرباعية .. سكتت .. و فضلت  تبص  لي .. تتأملني .. نظرة  ليا  في عينيها  ما شفتش  زيها  قبل  كده .. و لا  شفت  زيها  ابدا  بعد   كده   

( 5 ) 

قلت  ان فيه خلافات كثيرة في وجهات النظر بيني و بين وسام  ... مسائل  جوهرية في الحياة احنا مختلفين فيها .. رغم صداقتنا  المتينة .. علشان  كده انا متفهم صمته  الطويل لما قلت له  عن رغبتي اني اقابل صديقه  اياه .. من ضمن  اختلافتنا الرئيسية في الحياة .. ان  رغم اني اقدر اعتبر نفسي  اوبن مايندد  في مسائل كثير ..   هو في الحقيقة  يمكن وصفه انه  اوبن مايندد   اكثر من  اللازم .. او ده  على الاقل كان رايي  قبل مؤخرا .. من ضمن الحاجات اللي سايب وسام نظرة  مفتوحة ليها .. هيا مسائل من نوع  ان الفامبيرز  ممكن يكونوا موجودين في الواقع .. قصة   دراكولا كانت  اول قصة مشهورة عن الموضوع .. لكن وسام  ممكن يقعد معاك لساعات يحكي لك عن فكرة مصاصي الدماء  و تأصلها في ثقافة اوربا الشرقية .. و ان الموضوع  ممكن في الواقع يكون حقيقي .. مسائل كثيرة من هذا النوع .. عن امور  فوق طبيعية .. موجودة و ان كانت اسرارها غير معروفة .. من ضمن المسائل  اللي حكى لي عنها .. ان فيه  نوع من البشر .. هما في الحقيقة ممكن ما يكونوش بشر على الاطلاق .. منهم ناس بتعيش لمدد حياة تفوق الخيال .. منهم ناس قادرين على تغيير اشكالهم .. الخلاصة ان فيه معانا على هذا الكوكب .. ناس شكلهم زينا .. لكنهم في الواقع بتحكم حياتهم قوانين غير اللي بتحكم حياتنا .. من ضمن هؤلاء .. ناس ممكن تلجأ ليهم لو عرفت حقيقتهم .. تلجا  ليهم لحل مشكلة معينة .. مسألة  حياة او موت .. و هما قادرين انهم يعبروا بيك المشكلة  دي ... لكن فيه في المقابل تمن .. تمن ممكن  تدفعه .. ح  تمشي في حياتك عادي جدا ..  و تعبر في طريقك الحياتي كالمعتاد .. و ممكن حتى تنساهم  تماما و ممكن ما حدش فيهم يطالبك با اي شيئ .. لكن ... لو ظهروا  في حياتك تاني .. و طلبوا منك شيئ .. لازم تنفذه .. شيئ في مقدورك انك  تنفذه .. و مافيش اي خطورة  عليك من تنفيذه  لا انت و لا  اي حد بتحبه ... لكنه ممكن يكون شيئ غير مريح عمله .. جريمة مثلا من اي نوع ... ياما  اتكلمنا انا و وسام في الموضوع  ده .. انا كنت واخده على اساس انه موضوع خرافي  مسلي .. لكن  وسام كان مؤمن بالمسألة  تماما .. ممكن يقعد معاك و يشرح لك بالتفاصيل .. هما مش حاجة  زي فاوست .. ح يطالبوا بروحك .. لأ .. الموضوع  بسيط .. خدمة قصاد خدمة .. اذا نفذوا  لك ما تريد .. يبقى لابد تنفذ  لهم طلبهم ايا كان  اذا جاء الوقت و كان  لهم طلب  عندك .. و الا .. 
تدفع  الثمن .. الثمن  ممكن وفقا  لوسام  يكون غالي  جدا ...
“ ازاي عرفت كل ده “ 
سألت  وسام  مرة ... قال لي :  “حد حكى لي زي ما انا با احكي لك”
و قال لي كمان ان  في الواقع  فيه  واحد من الناس دي عايش معانا هنا في المدينة .. لو ركزت في عينيه .. ممكن  في لحظة تلاقيها انها مش مستديرة  زي عينينا .. و انما زي مستطيل بالطول .. للحظة  عابرة و بعدين ترجع  شكلها يبقى عين عادية .. 
و في  مرة من نزهاتنا في المدينة خلاني اشوف  الشخص ده .. شخص عادي ..  في منتصف العمر ..بيعمل  ورا  الكاونتر في بنك  البوستة  ... وسام  اكد لي انك علشان  تكلمه بشكل مباشر و تبين  له انك عارف حقيقته .. ده  ممكن يكون خطر عليك  جدا .. حتى لو عندك  طلب .. لازم تشرح  له الطلب و تنفذ  اللي يقولك عليه .. كل  ده من غير ما تتكلم مباشرة .. انه  شخص غير باقي  الناس .. و انك بتدخل في  تعاقد مع طرف مختلف  عن باقي الناس .. سألت مرة  وسام :
“ طيب  ليه ما بتطلبش انتا منه اي طلب ؟ انك تبقى ملونير مثلا ؟  “ 
قال لي  الرد ببساطة  :
“ فيه شيئ ممكن ينطلب  مني في يوم .. ما اقدرش اتعايش مع موضوع  انه ممكن في يوم يطلبوا مني اني اقتل مثلا “ 
كنت دايما با اقول  له  و انا با اضحك : 
“ انا متصور انهم ما عندهمش اي مشكلة  في الحفاظ على سرهم .. اي شخص يسمع الكلام  ده ح   يقول  ده  كلام  مجانين “ 
حقيقة  اني عايز انزل  اقابل الراجل ده النهاردة .. بتقول  لي اني ممكن اكون  بدأت افقد عقلي فعلا ... مش ممكن  افقدك يا ريني .. ده الشئ  الوحيد اللي انا متاكد منه  في الدنيا .. اي  شيئ تاني  اضافات و هوامش 

( 6 ) 

بعد  الاكل  بيبقى ممكن انها  تخلع الفنتليتر .. و اشوف وشها  الجميل من غير قناع  الاوكسجين الخانق ..  ما متها   فضلت معاها طول  فترة بعد الظهر .. وقالت انها ح تفضل معاها   بكل سرور  طول فترة  المساء لغاية  ما ارجع .. ضغطت  على ايديها 
“ مش   ح اتاخر .. بس وسام محتاج لي  في حاجة بسيطة  “
افضل شيئ في موضوع اني ما اقدرش اكلمها الا و قناع  مخصوص على   وشي   .. انها ما تقدرش تشوف حالتي .. ما تقدرش تحس باللي  بيتهد دقيقة بعد دقيقة  جوايا .. لكن .. هيهات .. لقيتها  بتضغط ضغطة خفيفة على ايدي .. و بصت  لي بصة عرفتني انها شايفة  بالكامل كل العذاب  اللي انا با اعيشه ..   غصبا   عني  نزلت   الدموع 
لما شافت دموعي بدأت تتكلم رغم صعوبة الكلام : 
“ كل حاجة  ح تبقى  تمام .. ح  تعيش .. و ح  تفتكرني .. و ح  تفتكرني بسعادة .. ما  تخلينيش
 احس ابدا اني جبت التعاسة  لحياتك “
حسيت  بخنجر بيتغرس في قلبي .... مدهش القوة  اللي في قرار صوتها .. رغم  اني سامعها بالكاد .. شفايفها بتتحرك و عيني بتسمع  كل كلمة  بتقولها  قبل  وداني ... 
“ مهما حصل  مش ح  تروحي اي مكان .. ح  تفضلي هنا معايا .. حتى لو جسد  من غير روح .. ح  تفضلي معايا .. مش  ح  تاخدك  قوة مني “ 
ما بقيتش عارف  ايه  اللي يصح انه   يتقال  او  ما  يتقالش   .. اللي بيجي عالبال  بيتقال .. و فعلا ده  اللي انا حسيته ساعتها   ... عايزين  ياخدوها مني ؟؟  و دفن و جنازة و مقابر .. مستحيل .. على جثتي انا  شخصيا ...
لقيتها  بتبتسم ... و بتقول  بببساطة  :
“ و الريحة  تطلع .. و الجيران يبلغوا البوليس “ 
رديت من غير تفكير : 
“ ح احطك في الديب  فريزر لو لزم  الامر “ 
ده خلاها  تضحك .. رغم  الالم اللي واضح ان الضحك  بيسببه  لصدرها  المنهك ... افتكرت قد ايه  بيضحكها   كلامي .. انغرس الخنجر في قلبي اعمق  و اعمق  .... 
خرجت للشارع  و لسع  البرد   وشي المبلول  بالدموع .. مش فاكر بالظبط انا قلت لها ايه   في آخر الكلام ... حاجة  من نوع :
“ ح نعيش لغاية ما نجوز احفادنا “ 
ما سبتهاش  الا  لما غمضت عينيها و راحت في النوم تاني ... ما فيش  قوة ح  تاخدك مني ... ما فيش قوة على سطح الارض .. مسموح  لها انها  تاخدك  مني 

( 7 )

وسام نبه عليا ميتين  مرة  اني ما اتكلمش معاه بشكل صريح و مباشر .. بس اشرح  مشكلتي و انتظر اسمع  رده .. قلت له  اني فاهم و كررت .. و مافيش فايدة .. بيكرر التنبيه تاني .. شيئ غريب في سلوك وسام .. لأول مرة لقيته  بيقول لي خللي الموضوع  زي فال كويس .. او حاجة لرفع  المعنويات .. ما تصدقش  فيه قوي .. مش ده الموضوع  اللي انت اكدت لي مليون مرة انه حقيقي  و انا  با اسخر و با اتريق ؟؟  و الغريب اكثر  انه  رغم  كده .. كان باين عليه حاجة قريبة  قوي من الرعب .. زي ما يكون لأول مرة بيواجه شبح هو نفسه كان بيتكلم للناس عن وجوده و بيؤكد هذا  الوجود ... فضلت مستني في العربية  زي ما نبه  عليا .. بعد فترة حسيت انها طويلة جدا .. اعصابي فيها  اتحرقت .. مع ان ممكن  في الواقع ما تكونش زادت عن عشر دقايق .. لقيت وسام بيفتح باب العربية  الخلفي .. ركب الرجل  .. لو صح  كلام وسام .. فمش عارف اذا كان  لفظ  رجل او انسان توصيف  صحيح .. ركب في الكنبة الخلفية .. و رجع وسام لمكانه  في الكرسي ورا  الدركسيون ... 
دخلت  في الموضوع على طول و من غير ما افكر في الكلام : 
“ مراتي بتموت ... فيروس الكورونا ... عندي استعداد  لأي  تمن .. لأي شيئ .. بس لو فيه  اي حد ممكن يساعدني انقذها “ 
سكت الشخص لفترة صغيرة ... و بعدين قال  با المانية  با  اكسنت   عمري ما سمعته  قبل كده .. مع  لدغة في   الإس   : 
“ مش لازم  كل معروف  يبقى له  تمن .. لكن مستحب ان اللي بيطلب مساعدة  الاخرين .. يكون هو نفسه  على استعداد لمساعدتهم  لو طلبوا “ 
رديت بلهفة  : 
“ طبعا .. طبعا .. كلامك مظبوط “ 
بص الرجل  لوسام و قال له : 
“ اطلع عالعنوان اللي انا ح اقوله  لك .. ده عنوان  بيتي “ 

( 8 ) 

بعد ما وصلنا للعنوان اللي قاله الشخص ده لوسام .. فضلنا مستنينه  في العربية لفترة بسيطة .. بعدها رجع و معاه  عقدين  مربوط  في كل عقد فيهم نوع غريب من الزهور ... زهور ريحتها غريبة  جدا .. مش ريحة  كريهة .. لا .. نهائيا .. تقدر تقول انها زهور بعطر بعبق  جذاب .. جذاب   لكن غريب في نفس الوقت ..  ريحة  حادة بتغوص في قلب الحواس ... بعد  اسئلة  و  ردود  و استفسارات  و اجوبة   و اخذ  و رد  مني و من وسام  كمان   
ملخص  كلامه  كان  الآتي  : 
“  العقدين دول .. تحط واحد حوالين رقبتك .. و واحد حوالين  رقبة  مراتك  ... تخلع عنها اي 
فنتليتر او قناع  اوكسجين  .. و انت كمان .. تشيل اي قناع من على وشك ... و العقدين  حوالين رقبة  كل واحد فيكم .. تقرب وشوشكم من بعض .. و تتنفسوا نفس الهوا المعبق بريحة العقدين ... مش مهم  تكون صاحية ساعتها او نايمة .. المهم  تفضلوا با انفاسكم في مجال العقدين انتوا الاتنين لمدة  ما تقلش عن عشرين دقيقة .. بعد عشرين دقيقة انت ح تحس بطاقة معينة بتطلقها رائحة الزهور جواك .. .. ساعتها ح تعرف ان كل شيئ على ما يرام .. تقدر ساعتها تنزع  العقد عن رقبتها و رقبتك .. تقدر تحتفظ  بالعقدين  او  لا .. مافيش  فرق ... المهم في خلال  فترة بسيطة ح تلاقي  حالتها بتتحسن بقفزات كبيرة .. لغاية  ما ح تشفى  تماما “ 
تركنا  و نزل  من العربية  و اتحرك وسام  بيها  من تاني  ناحية  بيتي .. طول الطريق و هو بيوصلني و احنا ساكتين .. لما ركن بالعربية  قدام عمارتي .. و انا با اسلم  عليه  ...  لقيته متردد انه يقول حاجة ...  لغاية ما نطق  في الاخر : 

“ يا صاحبي كويس انك تحس بحاجة  بتديك الامل .. انما ارجوك .. حط في بالك ان الموضوع  كله ممكن يكون .... “
ما كملش كلامه .. لقيتني  با امسك  نفسي  بصعوبة من اني اتنرفز و ازعق  فيه ... قلت بهدؤ على قد ما قدرت  :
“ يكون ايه ؟؟  هجص .. كلام فارغ .. مش انت اللي بتدعوني من سنين اني اصدق قصصك .. جاي لي و انا با اتعلق با لامل لأول مرة من ايام  طويلة عصيبة .. جاي تقول لي ما تصدقش” 
 تاني   نظرة  الرعب  في  عينيه .. و  معاها حاجة  المرة دي .. زي  اشفاق .. او استغراب .. شيئ  كده بين الاستغراب و الشفقة  .. بعدها  لقيته بيقول  مع تردد  بسيط قبل ما  ينطق : 
“  لا  ...   صدق .. صدق و اطمئن .. ريني ح  تخف و ح تبقى زي الفل  المهم تعمل اللي طلبه  منك  بالحرف  ... المهم  بعد  كده ... “ 
سكت   تاني  ....     و  تاني  لحظة  تردد  .. و  نظرة غريبة  في  العين ... و بعدها  لقيته بيبتسم  و بيقول بثقة :  
“ ما  تشغلش بالك بأي حاجة  تحصل  بعد كده .. المهم .. حط  العقدين  اللي هو عطاهم  لك .. بالظبط  زي  ما قالك ...  حطهم  و مش ح  يحصل  بعد كده  الا كل  خير .. زي ما  قلت  لك ..  و زي ما هو كمان  قال  لك .. ممكن جدا  تكون خدمة من غير مقابل .. ممكن  جدا ما تسمعش خالص من الراجل  ده او اي  حد من طرفه ابدا  بعد كده ... خللي معنوياتك مرتفعة  و كله  ح يبقى تمام “ 

( 9 ) 

لما دخلت الشقة كانت مامة  ريني نايمة و هي  في قعدتها على  الكنبة .. يبدو انها فضلت  قاعدة  لغاية ما غلبها النوم .. قلت  لها   انها تقدر تروح دلوقت .. قالت لي اطلبها فورا لو احتجت  اي حاجة .. و هي ماشية  لقيتها  فجأة بدون اي مقدمات  بتقول  لي :
“ ريني طول عمرها نظرتها و حكمها  عالناس صح .. دايما  بيطلع تقييمها للبشر صح ..   لازم  اعترف  لك  انك من  الناس اللي اختلفت معاها عليهم  في  الاول  .. و برضه  طلع  حكمها صح “ 
ما اعرفش كانت مستنية  اني ارد  و اقول  حاجة .. او اني بالفعل  كان لازم ارد و اقول حاجة .. اللي حصل اني فضلت  ساكت ..  زي ما اكون مش لاقي طاقة على اي كلام ... و اخيرا  القت تحية المساء و خرجت من باب الشقة .
دخلت الاوضة   من غير قناع عازل ... كانت ريني على وشها  الفنتليتر .. بصيت على الجهاز .. لقيت النفس في معدل طبيعي مش محتاج  اي مساعدة  تقنية ... شلت الفنتليتر من على وشها و  قعدت  على الكرسي  جنب سريرها .. .. و من  غير قناع  ... اول  حاجة احسها  صح من  فترة  طويلة .. انا  و هي  بنتنفس  نفس الهوا .. من  غير قناع  على  وش اي  واحد  فينا ... 
طلعت العقدين .. لبست واحد منهم حوالين رقبتي .. و لبست ريني العقد التاني .. مسكت ايدها  ... و تاملتها  و هي  مستغرقة في النوم ... و انفاسنا بتمتزج  بحرية  ... امها قالت ان حكمها دايما على الناس صحيح .. ايه  اللي  ممكن يحصل  لو فعلا  انطلب  مني  اني  أقتل   في يوم ... قالت لي   في غرفة الزيارة  في الحبس : “ مش  مهم اي حاجة  فاتت .. المهم اللي جاي “ 
.. يا ترى ح  اقدر دايما  ابص للعنين  دول و اتملا  فيهم  للابد    ... و  الا ح  يجي اليوم  اللي  ح يخنق الخجل  نظرتي    .... قالت  لي : “المهم اللي جاي” 
و ليه  اللي  جاي دايما  بيسرق  اللي في  ايدينا   ؟؟؟؟  .... 
كل  ده  مش مهم ... و مش  مهم اي حاجة  تحصل  بكرة ... المهم  انك  تبقي  لي .. المهم  ان بكرة  ما ينفعش  للحظة واحدة  من غيرك .. ح  نعيش سوا لغاية ما يجيب بكرة  كل  اللي  في ايديه ... ح  نروح  مصر انا و انتي ...  ح   نتمشى في  شوارع مصر و ايدينا  في ايدين بعض .. و ح  تسألي  ابو قردان  بنفسك ... ح تسأليه    ليه ما بيسكنش  في اي مكان في القاهرة الا  حوالين جنينة  الحيوانات ؟؟  .. و ح   تسألي  بياعين التين الشوكي ..  و الفكهانية .. ليه  ما بيتباعش التين الشوكي في مصر الا على العربات  الجائلة    ؟؟؟  ..  و ح  تسألي الشوارع  عن الفراشات ...  و ليه  بتقل  الفراشات  في   القاهرة ..  مع  مرور الزمن   ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق