( وحش آدمي ) قصة قصيرة بالعامية المصرية
1
-------------------------------------------------------------------
----------------------------------------
كلمة في خناقة في الشغل قلبت حياته بالكامل ، في المعتاد ممكن كلمة تفضل في الذهن يوم او يومين ، يفكر فيها الانسان شوية و يقول لنفسه كان لازم ارد اقول كذا ، ما كانش المفروض اسكت كان لازم اقول كذا ، يوم او اقل و خلاص ، تروح و ييجي غيرها ،
لكن الجملة دي بالذات مش قادرة تسيب ذهنه ، بقى يتحاشى زميلته اللي قالتها زي ما تكون بلطجي كبير من بلطجية عصابات المافيا الايطالي ، يشوفها طالعة السلم من مكان يلف من مكان تاني ، بقى يرهبها و يخشاها زي تلميذ في ابتدائي بيتحاشى مدرس مشهور بالشدة ، موضوع الخناقة تحول خلاص لمديرهم للفصل فيه ، كل اللي بيتمناه من ساعتها ان ما يحصلش سبب في الشغل يستوجب تعاملهم تاني ، و لو حصل فالمؤكد انه مش ح يخلق معاها سبب للخناق ، اللي هي شايفاه لازم يتعمل ح يعمله و خلاص .
الموضوع بدأ بطلب من اسرة مهاجرة من المجر لاعانة اجتماعية ، اللوائح الالمانية بخصوص المواضيع دي معروفة و الشروط اللي بتقدم معونات من خلالها الحكومة الالمانية عموما و حكومة المقاطعة خصوصا هي شروط واضحة و هو بيطبقها بحذافيرها بدقة ، دقة زيادة شوية يمكن ، او يمكن هو دايما بيكون في الجانب الاصعب و الاشد في كل حالة ، بس هي دي طريقته في الشغل و ما فيش اي توجيه من رؤسائه او اي ملاحظة عليها من سنين ، طلب الاعانة للاسرة دي كان متحول من ادارة تانية ، با اشراف و متابعة من الزميلة اياها ، و توصية منها با استحقاق الاسرة دي للاعانة ، الحقيقة ان الطلب ده بالذات كان من الطلبات اللي اشر على زيها كثير بتوفر الشروط ، بس في الوقت نفسه فيه كمان اسباب ممكن تخليه يشير بعدم توفر الشروط ، طلب في المنطقة الرمادية اللي لو شديت فيها ح تلاقي اسباب للشدة ، ايه اللي خلاه يحط التأشيرة بعدم توفر الشروط ؟ ده السؤال اللي بيلح عليه كل ما يفكر في الموضوع ، قبل كده علاقتهم كانت عادية ، يعرف عنها انه مطلقة ، انها اصلا من بولندا ، ابتسامات صباحية و تبادل تحية ، مناسبات مختلفة تانية حصل فيها تقاطع في مهمات العمل ، تعاملهم كان مرح و سلس ، كل ما بيفتكر فترة قبل الخناقة بيفتكر انه كان بيحترمها و بيعجب با اسلوبها و طريقتها في العمل و في التعامل عموما ، ايه اللي خلاه يصطدم بشكل مباشر بتوصية ليها في الشغل ؟ و خصوصا انه كان ممكن جدا الاتفاق مع زاوية رؤيتها للمسألة ، كان لازم يعني يحبكها ؟
احتدت المناقشة بينهم هي بتحاول تؤكد له انها اسرة متوفر فيها كل الشروط ، و هو ماسك في القوانين و الهوامش اللي بتشرح القوانين ، فجأة بصت له ، ركزت في عينيه ، التقت عينيه و عينيها لعدد من الثواني لغاية ما حس بالحرج ، و بعدين بوووم ، كالقنبلة ، قالت له الجملة بهدؤ و ثبات ، ببساطة زي ما تكون بتقول حقيقة من حقايق الوجود انت مش ممكن تكون انسان ، انت وحش آدمي .
---------------------------------------------------------------
-------------------------------------------------------------------------
2
--------------------------------------------------------------------
السبت ، واحدة الظهر ، لسه في السرير بيصارع النوم و اليقظة مع بعض ، لو عايز تسمي ده نوم ، هو في الواقع سلسلة من الكوابيس ، عنده رغبة بتشده انه يسيب السرير اخيرا و ينطلق الى اي شيئ ممكن يتعمل في يوم اجازة الاسبوع ، و رغبة تانية بتشده اكثر للسرير ، تحديدا عايز يفتكر بالظبط النقطة الحرجة في الكابوس ، النقطة اللي بيصحى بعدها ، بمجرد ما بيصحى بتكون واضحة تماما قدامه ، ثواني و بتتلاشى ، يبلعها النسيان مع الحضور القوي لليقظة و للواقع في الاوضة الضلمة ، حاول يركز اكثر و كل ما يزيد التركيز يزيد تصاعد بقايا الكحول في راسه ، هانج اووفر الصباح المعتاد كل سبت ، لازم يقوم من السرير و يبدأ طقوس العلاج الصباحي المعتادة و الا ح يقلب بصداع ح يبلع باقي اليوم ، بالتدريج بيبدأ يفتكر ، ايد بتحيط بعنق ، ايد انسان بتحيط بعنق انسان تاني و تضغط و تعصر ، اللي مش واضح بالظبط هو مين اللي كان بيخنق بالظبط ؟ هل كان الكابوس انه هو بيخنق شخص تاني ، و الا بالعكس ، اليد هي يد شخص تاني و هو اللي بيتعرض للخنق ؟
في اللحظة اللي حس فيها انه على وشك انه يفتكر فا جأته الخبطات على باب الشقة ، خبطات سريعة متعاقبة كل خبطة فيها بتنزل على راسه زي شاكوش لا يرحم ، لازم يقوم من السرير ، مش صوت خبطة حد ح يزهق و يمشي ، ده شخص جاي و مصمم يصحيه ، و كأن كل اللي هو فيه مش كفاية .
بقدرة قادر و بشكل ما لقى نفسه واقف على رجليه ، دوار ، دوخة و بوادر صداع ، كل ده عادي و معتاد ، الفوضى المعتادة الهدوم المنتتشرة في انحاء الاوضة ، اما اللي مش معتاد فهو النسيان ، ازاي و امتى وصل البيت ، آخر حاجة فاكرها انه كان في البار مع اصحابه ، امتى سابهم و امتى روح ، نسيان من بتاع ايام زمان ، بلاك اوت على ستايل زمن الدراسة و الجامعة ، معقول يا جدعان ، مش كبرنا بقى عالحاجات دي ؟
فتح باب الشقة ، و زي ما توقع كان مايكل هو اللي على الباب ، دخل بصوته العالي و لغته ، هذا الخليط بين الانجليزي و الالماني
" ما زلت نائما كالعادة ، عندنا في رومانيا يسمون النائم حتى الظهر بديك القش ، لانه لا يقوم بواجبه الحياتي كديك و لذلك فهو ديك من قش ، بدل ملابسك و هيا يا صديقي "
قالها بالالماني زميلي ، كلفظ مستخدم بين زملاء العمل او الدراسة مش صديق زي ما هو بيقصد ، رمى نفسه على الكنبة و بدأ يرغي ، مش كفاية الصداع و الهانج اوفر كمان لازم يركز في المانية مايكل الخليطة و قصصه الصباحية ، في خلال خمس دقائق كان حكى بالفعل في قصتين و اكثر من موضوع ، و هو بيتكلم جاء شعور مؤكد ان الكابوس كان هو اللي بيخنق فيه شخص تاني ، كان هو اللي بيخنق مش بيتعرض للخنق ، اكيد بيخنق شخص رغاي زي مايكل ، في الحالة دي ما يبقاش كابوس بالتأكيد
" لا تجلس ، لا تجلس ، لو جلست فسيصبح من الصعب عليك اكثر التحرك ، اهبط مباشرة تحت الدش ، ارتدي ملابسك و لنخرج و للتعرض للشمس ، و اخيرا في المقهى ، البيرة الصباحية ، هذا هو العلاج الامثل ، العلاج المجرب "
غصبا عنه جلس ، شيئ ثقيل بيشد راسه للاسفل ، ياريت كان يقدر النهاردة على هذا العلاج ، الكابوس ، البلاك اوت ، النسيان الكامل لظروف رجوعه للبيت و ايه اللي حصل تحديدا في آخر الليلة ، شيئ ما مختلف السبت ده
" لا اعتقد اني سأ ستطيع المجيئ اليوم ، قل للرفاق اني في وعكة "
" وعكة ، اي وعكة ، تبدو في صحة جيدة ، فقط بقايا الشراب من الامس ، لا تكن سخيفا "
" عانيت من كوابيس الليلة الماضية ، لا اشعر اني في حالة نفسية جيدة ، بالمناسبة هل تتذكر متى غادرتكم الليلة الماضية ، هل حدث شيئ غير اعتيادي "
ما سمعش السؤال بالتأكيد او ما اهتمش به ، لانه بعد آخر جملة قالها ظهر عليه انه افتكر حاجة ، و طلع تليفونه و بدأ يقلب في التطبيقات اللي فيه
" تطبيق جديد ، رخيص حتى انك تستطيع ان تعتبره مجاني ، يحدد لك الارقام الستة مع الرقم الخاص بعدد سداسي في المرة الواحدة ، افضل كثيرا من الحسابات و التجريب و من كل التطبيقات المشابهة ، و الاهم من كل ذلك انه مجرب ، جربه صديق لزميلنا هاينز و ربح ستة آلاف يورو في سحب في يوم اربعاء ، اصاب اربعة ارقام صحيحة من الستة "
الافضل فعلا انه ينزل تحت الدش و يبدا اليوم ، طالما مايكل بدأ يتكلم عن اللوتو و سحوب اللوتو ، و طالما من الواضح انه مش ناوي يمشي ، لا جديد على الاطلاق ، فكر و المية الباردة بتنساب على جسمه و تطارد بقايا النوم من كامل كيانه ، فكر ان لا جديد على الاطلاق يحيط بهذا الكيان ، هي نفس الشلة في الشغل و السهر في نهاية الاسبوع و في صباحات الاحد ، مايكل و الحديث اللي ما بيخلصش عن سحوبات اللوتو كل سبت و اربع ، ايه الارقام اللي اتكررت و ايه الارقام اللي بقى لها مدة ما جتش ، اخبار الكورة منازعات الشغل ، و انت وحش آدمي ، انت مش انسان ، هل ممكن يكون فعلا بهذا السؤ ؟ وحش مستتر كامن جواه ، ليه ما بيهتمش بشيئ ، شيئ واحد بس يهتم به بشكل حقيقي ، شيي و لو حتى هايف زي مايكل و اللوتو و حلم الثراء المريح ، مش ده اللي بيعمله الناس الطبيعيين ؟ ان يكون عندهم اشياء او حتى شيئ واحد مهم او ممتع او مصدر اهتمام ، شيئ عميق و معقد ، او تافه و سطحي ، مش مهم .
لما خرج من الحمام كان لسه مايكل بيتكلم عن اللوتو و التطبيق الجديد اللي ح يحدد له في النهاية الارقام الرابحة ، اكتشف انه طول الوقت الفايت كان لسه مايكل بيتكلم و هو معلي صوته علشان صوت الدش ، يا ريته كان ركز معاه في اللي بيقوله بدل ما يكئب نفسه على الصبح با اسئلة مالهاش لزوم
" هل سمعت عن هذا الرجل في هانوفر الذي فاز بمليون يورو في سحب الاربعاء في المسابقة الالمانية و لعب مرة اخرى في الاسبوع التالي مباشرة في المسابقة الاوربية و فاز بثمانية ملايين اخرى ، فوزين متتابعين في اقل من سبعة ايام ؟ "
ظهر على وش مايكل انه بيفكر ، و ده أمر نادر في الاحوال الغالبة ، بعد كام لحظة هز راسه و سأل و على ملامح وشه اهتمام حقيقي
" هل تقصد ان هذا الرجل يستخدم تطبيقا ما "
لقى نفسه بيضحك رغم كل اللي هو فيه ، و رغم ان الضحك بيبعت موجات من الدم على دماغه ، كل موجة بتضغط ضغطة صداع خفيفة ، و داوها بالتي كانت هي الداء ، لا حل بالفعل الا بالمزيد من البيرة
" لا طبعا لم اقصد ذلك يا ذكي ، ما اقصده انه لا توجد اي قواعد تحكم هذا الشيئ ، لا توجد اي قواعد على الاطلاق ، و كل تلك التطبيقات احتيال تقليدي على السذج ، ستة ارقام بين واحد الى خمسين و رقم واحد بين صفر الى عشرة ، هل يوجد من يحدد ذلك بشكل صحيح ؟ بالتأكيد يوجد ، هل هناك اي قواعد او منطق يحكم المسألة ؟ بالتأكيد لا يوجد ، حظ محض ، مثل ان تهبط صاعقة على رجل يسير في الشارع على قدميه في يوم ممطر ، لا منطق يحكم ذلك و لا حسابات "
المرة دي ظهر على وش مايكل الانزعاج ، انزعاج كأني بلغته با احتمالات وقوع حرب عالمية نووية قريبا ، بعد دقيقة او دقيقتين من التفكير اتكرمش فيهم جبينه لقيته بيسأل بقلق
" هل تعتقد ان احتمالية الربح هي حقا بهذه الندرة ، بندرة ان تهبط صاعقة على شخص يسير "
ابتسم و ما ردش ، لثاني مرة النهاردة لقى نفسه بيحسد مايكل على اهتمامه ده باللوتو ، بس لو يلاقي حاجة واحدة يهتم بيها ، يمكن يقدر يخرج من الدائرة دي من الملل و الكآبة و الكحول !
وحش آدمي ، ده اكيد اللي بيشعر به السفاحين و القتلة ، الفراغ ، الفراغ و الملل ، يمكن فعلا يكون عندها حق
" لا ، لا ، الامر مختلف ، بالتأكيد مختلف ، ليس الامر بهذه الندرة ، لا يوجد انسان تهبط عليه صاعقة يوم سبت ، ثم صاعقة اخرى في الاربعاء التالي ، ثم السبت التالي له ، كل اسبوع شخصين او اكثر تهبط عليهم الصواعق من السماء و هم سائرون ، لا بالطبع لا ، ليس الامر بهذه الندرة ، هناك ناس معروفون فازوا بالجائزة ، ليس الامر بالصعب و لا بالنادر الى هذا الحد "
قال الجملة الاخيرة و على وشه ارتياح شخص محكوم عليه بالاعدام و اعلنوا له العفو ، ابتسم و قال له
" معك حق ، فقط امزح معك ، ستفوز بالجائزة الكبرى يوما و سنأتي جميعا لنقترض منك ، فقط اجبني عن سؤالي ارجوك ، هل تتذكر متى غادرتكم امس ، هل حدث شيئ يستحق الذكر "
" لا ، لا اظن ذلك ، اظن انك قد غادرت مبكرا بعض الشيئ ، لأننا لعبنا البوكر بعد ذهابك ، لماذا تسأل "
" اسألك لانني لا اتذكر نهائيا ظروف و لا موعد عودتي و هذا يقلقني ، لم يحدث لي ذلك منذ سنين "
" ما المقلق في الامر ، ما الغريب ان تنسى ما حدث بعد ليلة من الشراب ؟ "
" ما الغريب ؟ الغريب ان هذا لا يحدث لي عادة ، اتذكر في المعتاد متى و كيف عدت الى المنزل "
" لقد قلت لي بنفسك السبت الماضي فقط انك لا تتذكر ما حدث في الليلة الماضية في اواخرها ، و قلت لك ان الامر اعتيادي "
" نعم ، و لكن ليس كتلك المرة ”
" ما المختلف تحديدا "
" نعم قلت لك الاسبوع الفائت اني لا اتذكر ما حدث في الليلة السابقة ، و لكن لم يكن لتلك الدرجة ، كنت ابالغ ، اما با لامس فالامر مختلف ، اعني انه بالفعل ثقب كامل في الذاكرة عن كيفية رجوعي "
" كيفية رجوعك ! و هل المشرب في المريخ مثلا و انت تسكن في عطارد ؟ عدت ماشيا كالعادة ، كيف ستتوقع ان تعود ؟ ارتدي ملابسك و لا تكن سخيفا ، الرفاق ينتظرون "
معاه حق ، ليه القلق و التفكير و الاسئلة ؟ ليه ما يسبش المسائل تمشي ؟ سخيف ! فعلا سخيف ، فليبلع الملل الوجود ، ايه الجديد ، البس هدومك و اخرج لأصحابك و عدي في الايام ، ما تعملش فيها عبقري عصرك اللي بتحاصره الاسئلة و القلق ، ما فيش شيئ مهم ، مافيش شيئ يستحق الاهتمام
" تذكرت الآن "
قال كده و انفجر في الضحك
" ماذا تذكرت "
" لقد تشاجرت مع باتريك حول زميلتنا التي شتمتك ، كان يقول لك انها امرأة طيبة و انك انت نفسك مرارا ما قلت ذلك ، و انها مشاجرة عادية و ليس فيها ما يستحق ، بينما كنت تتحدث انت عنها و كأنها الساحرة العجوز الشريرة التي تخطف الاطفال ، تشاجرت معه و اخذت معطفك و ذهبت و ضحكنا جميعا ، الشراب يجعلك كطفل صغير "
او كوحش آدمي ... .. لقى نفسه بيراقب مايكل و هو بيضحك و ما فيش في مخه الا الكلمتين دول : وحش آدمي ....
وحش آدمي ، وحش آدمي ...
انتهى مايكل من الضحك و بص له
" مالك واقف كالابله ، ارتدي قميصك و هيا "
" ماذا "
" انت تقف متخشبا كالابله و في يدك القميص ، ضعه على جسدك و هيا ، الرفاق ينتظرون "
" حسنا ، حالا "
بدأ يلبس القميص و هو شاعر بالبلاهة فعلا ، بلاهة ، لخبطة ، عته ، و فراغ .... فراغ عميق بيحاصر كيانه ، في اللحظة اللي بدأ يحط الاشياء الاخيرة في جيوبه و يستعد للنزول فاجأة بالقنبلة الاخيرة
" لا بد ان الرفاق الآن منهمكين في الحديث عن ذلك السفاح
، انه بالتأكيد سفاح متكرر الفعل ، فجريمة ليلة السبت الماضي تكررت بالامس ، فعلها مرة اخرى ، ايضا خنق باليد ، تماما كالمرة السابقة "
بص لصاحبة و ايده وقفت في طريقها للباب في نص المسافة ، ايه اللي اترسم على وشه من تعبير ما يعرفش ، لأن مايكل بص له الاول با استغراب و بعدين ابتسم و بعدين ضحك ، جواه كان ذهول و دهشة و رعب و فزع ، خليط بين كل دول اجتمع في داخله ، لكن اكيد اللي اترسم على وشه كان لا شيئ .....
الا بلاهة و عبط .
------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------------------
3
------------------------------------------------------------------------------
نفس المشرب و نفس الاصحاب ، زملاء في الشغل ، و هما نفسهم اصحاب سهرات نهاية الاسبوع ، و ظهيرات السبت و تدور بيهم و معاهم دايرة الفراغ ، فكرة سخيفة بتخطر على الذهن ، بتطردها على طول من ذهنك و انتهينا ، لكن لما تواص ل التفكير فيها و تكررها اكثر من مرة في ذهنك ، ما بتبقاش بعد شوية سخيفة ، فجأة بتاخد في الذهن وجاهة ما ، و يبتدي الانسان بجدية يفكر في احتمالات واقعيتها ، و كل ما يقول لنفسه اطرد الفكرة الغبية دي من بالك ، يلاقيها بتغيب و بعدين ترجع تاني تلح عالذهن ، و الكارثة انك علشان تأكد لنفسك انها فكرة سخيفة ، بتبدأ تناقش اوجهها ، المحاولة دي نفسها لتقليب اوجه الفكرة و التأكيد للنفس انها سخيفة ، بيعني انها بتحضر في الذهن اكثر و اكثر ....
هل ممكن فعلا يكون هو السفاح اللي ارتكب لغاية دلوقتي جريميتين ؟ فكرة سخيفة طبعا ، بل و مضحكة لو فكرت فيها بعقلانية ، يجي يفكر فيها بعقلانية يطردها فورا طبعا ، و ترجع تاني تتسلل للذهن ! البلاك اوت ....
و الجريمة الاولى حصلت برضه ليلة سبت ، السبت اللي فات تحديدا ، وقتها ما حدش اعطاها الاهتمام ده لأنها ظهرت كجريمة تقليدية ، بشعة طبعا ، لكن جريمة واحدة مستقلة ، مش سفاح و جريمة تانية و يمكن سلسلة جرايم مستقبلية !
و مايكل قال انه برضه في السبت اللي فات حكى له عن الليلة السابقة ، و قال ان جاء له بلاك اوت ... لكن السبت الماضي ما كانش بالقوة دي ، هو نفسه قال لمايكل ده ، و الكابوس ، الايد اللي بتخنق ، امتى بدأ الكابوس ده ؟ السبت اللي فات ؟ و الا قبل كده ؟ هل جاء له نفس الكابوس ليلة السبت الماضي ؟ طبعا مش فاكر ! و يفتكر ليه ؟ ايه الجنان ده ؟ ليه بيفكر في المسالة اصلا ؟ كل واحد يجي له كوابيس يبقى سفاح ! و لما ينجح في طرد الفكرة من ذهنه فعلا ، و يتصور انها تبخرت تماما ، بوووم
تاني ......
وحش آدمي ....
ترجع الشتيمة الغبية دي من زميلته اياها تنفجر في راسه زي القنبلة ، ايه اللي خلاها تقول كده ؟ يمكن شافت فيه شئ حقيقي غايب عن الناس كلها ؟ غايب حتى عنه هو ! ما هذا الغباء ؟ ازاي افكار زي دي فارضة نفسها عليه ؟ حلقة عمال ذهنه يدور فيها من ساعة ما قعد ، و اللي زاد و غطى ان اصحابه فعلا زي ما توقع مايكل ، مالهمش سيرة و لا موضوع للحديث غير موضوع السفاح ده
" هلا غيرنا موضوع الحديث يا رفاق ، ليس بالحديث الطيب ، و خصوصا يوم اجازة و ترفيه "
قبل اقتراحه ده كان يوهانس بيقول انه بيختار اماكن جرايمه في مداخل بنايات ، بعيدة عن احتمالات الكشف بالاقمار الصناعية
الغريب ان اصحابه قبلوا اقتراحه فعلا ، و بسرعة اشتبكوا في حوارات عن مواضيع تانية ، لكن هو لقى نفسه بيفكر في موضوع الاقمار الصناعية ده ، اول مرة يسمع ان ممكن الرجوع لصور من الاقمار الصناعية لكشف جريمة ، و ده معناه انه بالتأكيد مش هو ، و فورا و بمجرد ما ارتاح للفكرة هاجمته من ناحية تانية ، لا طبعا اكيد جزء من عقله عارف موضوع الاقمار الصناعية ده ، الحكاية ظهرت في افلام و مسلسلات ، اكيد المسألة مخزونة في عقله الباطن ، هو مش جاي من العصر الحجري ، معقول ؟ معقول يكون بيفكر في احتمالية انه يكون سفاح بيخنق الناس للمتعة ؟ ده جنان رسمي ! و طالما عدينا عتبة الجنون يبقى كل شيئ جايز !
كام مرة يرجع البيت بعد الشغل و يقعد يتفرج عالتلفزيون و يجي في نشرة الاخبار احداث عن حوادث و تفجيرات و ارهاب ، هل يقدر ينكر هذا الشعور الغريب اللي بيجي له ؟ شعور با ايه ؟ شعور بالفرح ؟ ممكن تسمية الشعور ده با ايه ؟ اذا ما كانش فرح يبقى ايه ؟
-----------------------------------------------------------
---------------------------------------------------------------------
4
-----------------------------------------------------------------------
ليلة السبت ، مش ح يخرج ، قرار نهائي لا تراجع عنه ، اكثر من مرة يلبس ملابس الخروج و يقلعها تاني و يغير لملابس البيت ، ببساطة ما عندوش شجاعة انه يخرج و يلاقي نفسه في بلاك اوت تاني الصبح ، بعيدا عن موضوع السفاح و الفكرة الغبية اللي سيطرت عليه ، سيطرت عليه طول الاسبوع رغم غبائها الواضح ، بعيدا عن الفكرة دي و عن اي شيئ متصل بيها ، محتاج للهدوؤ و ليلة مريحة في البيت صابح بعدها اجازة ، بس ، انتهينا ، و مش ح يشرب كمان ، فيه قزازة فودكا في دولاب المطبخ ، كذا مرة يقول لنفسه كاس واحد مش ح يفرق ، لكن لأ ، مش ح يشرب يعني مش ح يشرب .....
المشكلة ان الوحدة في البيت بتجيب معاها زائر مزعج ، التفكير ، و الذكريات ، كل اللي ودعته لما قررت تسيب الاهل و الاصحاب و ترحل تدور على بيت برة بلدك ، او اتخيلت انك ودعته ، بيحاصرك في اوقات الوحدة .
بيمد اصابع خفية عالروح ، زي الاصابع اللي بتشوفها في الكابوس المتكرر ، فجاة ما بيبقاش في معنى للمزيكا لو حاولت تسمع مازيكا ! حاول تقرا في كتاب ..... ح تحاصرك حروف الماضي بين السطور اللي بتقراها ، و تلاقي غصبا عنك ، كل جملة بتقراها بتسلم لذكرى ، و ايه ده اللي انت ودعته بالتحديد ؟ تقدر تحط ايدك على شيئ معين و تقول هو ده ؟ هو ده اللي انت سبته وراك هناك !! ما فيش ، اصابع غامضة لشيئ مش واضح و لا يمكن تحديده ، و رغم ده ، غيابه هو اللي مالي لحظتك الحالية دي بالفراغ ....
و هل كانت رحلتك نزهة و فسحة ؟ و الا مشوار من المعاناة و الالم و التحديات لغاية ما وصلت للركن اللي انت فيه النهاردة من البلد الغريب ، الركن اللي مش عاجبك و بتشتكي فيه من الفراغ ، ما حدش شاور عليك و قال اجنبي ، لكن حسيت الكلمة و حسيت الاشارة كل يوم و كل ساعة ، طيف بيبص من ورا كل وش ، و ايه الغريب انك تفرح بالانفجارات و المصايب ؟ هل طبطبت عليك الايادي و هدهدتك على وسائد الراحة في مشوارك ، و الا جعت و عرقت و نحتت في الصخر ؟
هل ممكن تكون الافكار دي بتثور جواه تحت السطح الهادي اللي بيقابل بيه الناس و بيتعامل معاهم ؟ هل ممكن تقوده فعلا لحالة انفصام في الشخصية تتمد فيها ايده و تخنق انسان ؟ ما اسخفها و اغباها من فكرة !
رغما عنه بتتمد ايده لقزازة الفودكا ، كاس واحد مش ح يفرق ، بس علشان اقدر آكل ، بيقول لنفسه ، دقايق و يجي تليفون ، واحد من اصحابه بيسأل هو فين ، قاعدين في البار من بدري ، مرة يقول جاي ، جاي في السكة بس با اعمل حاجة ، و مرة تانية يقول يبدو مش ح اقدر آجي الليلة ، مشغول ، مشغول ..... با اخلص حاجات حاجات ايه ؟ حاجات متأخرة في الشغل !
قول لهم الحقيقة احسن ، قاعد با اصارع الفراغ ، و الفراغ هو اللي ح يخلص عليك مش انت اللي بتخلص حاجات ، بقوا كام كاس لغاية دلوقت ؟ اللحظة اللي ودعتها فيها و ادركت من جواك بيقين كامل ان قصتكم انتهت انها قصة حب فاشلة زي ملايين و ملايين القصص زيها ، مش ح يفضل منها الا ذكريات غبية ، قصة اغبى حتى انها تتحكي للاصحاب في قعدة شرب ، هي لحظة الادراك دي اللي بدأ فيها الفراغ يحيط بروحك .... ....
الا فليبلع الفراغ العالم ، الا فلتخنق اصابع الفراغ الوجود كله .
مع الكاس اللي مش عارف و لا فاكر هو رقم كام ، بيفتكر عمر الخيام :
(( سأدخل التراب مع عشقك ، و لن اخرج منه الا معك ))
---------------------------------------------------------------------
-----------------------------------------------------------------------
5
-----------------------------------------------------------------------
خبطات ، خبطات سريعة و متعاقبة عالباب ، دي خبطة مايكل ، اهم حاجة انها مش بوليس ، خبطة البوليس معروفة ، خبطة حكومة زي ما كنا بنقول في مصر ، هانج اوفر رهيب ، بيرفع راسه من على المخدة بصعوبة ....
" نعم ، نعم انا قادم "
ازاي قدرت تشيله رجليه لغاية الباب مش عارف ، دخل مايكل و رجع هو تهاوى على الكنبة ، مطارق من حديد بتضرب على نافوخه
" اجلس ، اغلق الباب و اجلس ارجوك ، فقط اتركني قليلا اتمالك نفسي "
" اين ذهبت بالامس ؟ انت لم تات الى المشرب ! "
" لم اذهب الى اي مكان ، قضيت الليلة بالمنزل "
" قضيت الليلة بالمنزل ! لماذا انت بملابس الخروج ؟
انتبه للمرة الاولى انه فعلا لابس هدومه ، انه نام و هو لابس هدومه ، ازاي ده حصل ، آخر حاجة فاكرها ان اصحابه بيطلبوه في التليفون ، مايكل نفسه طلبه اكثر من مرة ، و انه فضل يقلع هدومه و يلبسها ، مرة يقرر انه يخرج يقابلهم ، و بعدين يقرر تاني انه يقعد و ما يروحش اي مكان ، و الفودكا ، الزجاجة اللعينة من الفودكا ....
مد مايكل ايده تحت ترابيزة الصالة و طلعها ، فاضية تماما ، بص لها و ضحك
" هل اتيت على هذه كاملة وحدك ، لماذا لم تأت ، منذ متى و انت تفضل السكر منفردا في نهاية الاسبوع "
" لم اشعر اني على ما يرام ، لم ارد ازعاجكم بمزاجي السيئ ، هذا كل ما في الامر "
" انت لم تكن على ما يرام طوال الاسبوع ، الجميع لاحظ ذلك "
" لاحظ ماذا ؟ ماذا تقصد ؟
" كنت تبدو شارد الذهن ، مقطب الجبين ، يحيط بعينك بعض السواد ، و كأنك لم تنم جيدا "
" لا انام بالفعل بشكل جيد في الآونة الاخيرة ، كما قلت لك سابقا ، اعاني من كوابيس ، بالامس يبدو انني حزمت امري على المجيئ اليكم و لكن غلبني النوم "
" او غلبتك الفودكا "
قالها و ضحك جامد زي ما تكون اكبر نكتة عبقرية ممكن يقولها كومديان محترف ، يا ترى جاء له الكابوس نفسه امبارح ؟ بيحاول يفتكر ، ايوة ، ايوه جاء له بالتأكيد ، ايد بتتمد و تعصر و تخنق ، ده كان امبارح و الا الليلة اللي قبلها ؟ مش فاكر ، و مش عايز يفتكر ...
" سوف اعد لك قهوة ، لا تتحرك ، هدأ اعصابك و لا تفكر في شيئ ، فنجان من القهوة و بعض الاسترخاء ثم ب دل ملابسك و لنذهب ، انت مرهق الاعصاب فقط ، ربما ضغوط العمل ، اين القهوة "
شاور له على مكان القهوة و لوازمها و هو بيبدأ يصب المية بدأ يتكلم ، الغريب انه كان متأكد من اللي ح يقوله قبل ما يقوله ، متوقعه زي ما بتتوقع ان مفتش التذاكر يقول تذاكركم يا سادة لما يدخل عربية القطر ، شيئ متوقع و بديهي و تلقائي
" لقد فعلها هذا البشع المجنون امس ايضا ، هل تصدق ؟ خنق بنفس الطريقة ، الضحية هذه المرة ولد لم يكمل العشرين و لكنه ضعيف البنية ، هذا الوغد يختار ضحاياه من ضعاف الجسد الذين لا يملكون مقاومة جدية "
" اعرف "
" تعرف ماذا "
" اعرف انه كررها بالامس "
" كيف عرفت ؟ لا حديث في التلفزيون و الاذاعة و الانترنت الا عن الموضوع بالطبع ، لكنك استيقظت لتوك ! "
ح يقوله ايه بس ؟ ح يقوله عارف لأن قزازة الفودكا فاضية و هو مش فاكر نام امتى و انه شاكك انه هو السفاح !
" اعني انه سفاح متكرر الفعل ، و يبدو ان ليلة السبت هي موعده المفضل ، و طالما لم يتم القبض عليه توقعت انه لابد و كررها و سيكررها حتما مرة رابعة و خامسة "
" شيئ مزعج بالفعل ، لا اعتقد ان امرا كذلك حدث هنا من قبل ، في امريكا ربما "
لقى نفسه بيسرح في التفكير و مايكل مش مبطل رغي و هو بيعمل القهوة ، هل ممكن يكون فعلا الموضوع كده ؟ هو فعلا المسؤول عن الجرايم دي ؟ كل ما يفكر في الموضوع يستبعده عقلانيا و مع ذلك يترسخ شعور ما جواه انه بجد ، و بعدين ؟ هوه نفسه لسه قايل ان الشخص ده ح يكررها مرة كمان و مرات و مرات ، ح يفضل ساكت و حياة ناس ابرياء في خطر ، و لو كان الاحتمال بنسبة واحد في المية صح مع الكحول و البلاك اوت و نسيانه الكامل لظروف و معاد نومه ، مش الاحتمال ده و لو حتى واحد من المية في المية يتطلب منه انه يعمل شيئ ما ؟ طيب ايه هو الشيئ ده ؟ ايه اللي ممكن يعمله تحديدا ؟
حط مايكل فنجانين القهوة على الترابيزة و قعد ، بص له و ابتسم
" اني قلق حقا بشأنك يا صديقي ، هل تعرف ماذا انت بحاجة اليه ؟ "
اول تاثير لأول شفطة من القهوة كان منعش بالفعل ، دخل على منطقة في مخه و سكن مساحة من الصداع ، خد شفطة تانية و تالتة و رابعة ، مساحات كاملة من دماغه بينسحب منها الصداع ، بقايا الكحول بتتقهقر مهزومة امام الكافيين
" ماذا في رأيك ؟ "
" انت بحاجة الى امرأة ، كم عمرك الآن ؟ "
" واحد و اربعين "
" انت اصغر مني بعامين ، انا ايضا لا امرأة ثابتة في حياتي ، لكن دائما ما توجد علاقة عابرة "
" عبرت على علاقات عدة ، مع الوقت شعرت اني اسعد بوحدتي "
" الرجل في حاجة لأمرأة دائما ، لا تقل لي انك لا تعلم ذلك "
" لكي تحتفظ بشخص ما لابد و ان تبذل مجهودا ، لا تقل لي انت انك لا تعرف ذلك "
" اذن ماذا ؟ ماذا تريد ان تقول ؟ "
" لا اجد في نفسي الطاقة على بذل اي مجهود للاحتفاظ بعلاقة مع امرأة ، مع الوقت قررت ان لا ابدأ اي علاقة من الاساس "
" اما شعرت ابدا برغبة في الاحتفاظ با امرأة ؟ بل و حتى في الزواج ؟ "
القهوة كان ليها مفعول السحر ، الغريب انه لقى نفسه بيبتسم ، و الاغرب انه لقى رغبة في الكلام
" قبل ان اغادر بلادي خضت قصة حب ، لا اعتقد اني قادر على خوض تجربة اخرى ، حاولت ، لكن ما شعرت به في كل علاقة لاحقة كان امرا لا صلة بذلك الشعور ، قررت ان اعيش على ذكرى ما ضاع ، افضل من محاولات لا جدوى منها لأحيائه مع اخريات "
" ما هو على وجه الدقة ما شعرت به "
في النقطة دي من الحوار لقى نفسه بيضحك جامد ، رغم كل شيئ و كل القلق و الهواجس ضحك بجد ، فكرة انه مندمج مع مايكل بالذات في حوار من نوع ده كانت مثيرة جدا للضحك في اللحظة دي
" هذا امر لا يمكن وصفه على وجه الدقة ، بل يستحيل وصفه اصلا
هل شعرت من قبل ان كل ما تريده من الحياة ان تكون بصحبة شخص معين ، بدا العمر امامك رحبا متسعا ، و مع ذلك لا يكفيك ضعفه لتقضيه مع ذلك الشخص ، دون لحظة من ملل "
" و ماذا حدث ، لماذا انتهى ذلك ؟ "
" القصة المكررة ، رجل آخر "
" تركتك حبيبك و ذهبت لشخص آخر "
" نعم "
قال نعم هو مبتسم ، لسبب ما ابتسم ، سبب ما يقدرش يحط ايده عليه بالظبط
" اللعنة ، لابد ان ذلك كان قاسيا "
" طبعا دون شك ، كان امرا مؤلما جدا ، لكن رغم الالم كان جانب مني سعيد "
" سعيد انك تخلصت من امرأة لا تستحقك ؟ "
لقى نفسه بيضحك تاني
" بالطبع لا ، بل سعيد من اجلها انها وجدت سعادتها الحقيقة "
" انت تمزح "
" كما قلت لك ، هذه المشاعر يستحيل وصفها بدقة ، يستحيل وصفها اصلا "
" هل تحاول اقناعي انك قديس ؟ او فارس عصور وسطى ! "
" لست قديسا و لا فارسا ، انا وحش آدمي "
قالها و انفجر المرة دي في الضحك انفجارا ، تأثير القهوة فعلا منعش ، ممتزج مع بقايا الفودكا
" و ماذا حدث ؟ هل تزوجت من هذا الشخص ؟ "
" لا ، بل حدث العكس تماما ، هجرها و ندمت اشد الندم "
" هل حاولت العودة اليك ؟ "
" كنت انا اول من لجئت اليه عند وقع المحنة ، و ساندتها بكل ما بوسعي ، اعربت عن رغبتها في ان تعود علاقتنا ، لم يكن بيننا مساحة لألعاب و لا خطط و لا مداراة و قلت لها ان هذا لن يكون عدلا بالنسبة لها ، يوما ما قد يتكرر شعورها نحو شخص آخر ، عندها اعلم انها لن تستطيع اخلاقيا ان تهجرني مجددا و ستستمر معي مجبرة ، و انا لا اريد لها ابدا ان تكون تعيسة ، طالما وجدت سعادتها يوما بعيدا عني فهي لم تجدها اصلا معي "
" و ماذا قالت لك ؟ "
" اني مخطأ و ان هذا لن يحدث و انها ادركت انها لن تجد غيري ، افهمتها اني لم انظر للمسألة ابدا بمنطلق سباق ذكوري حول الافضل ، ظللت معها حتى عبرت المحنة ، في النهاية سألتني اذا ما كنت ما ازال واقعا في حبها ، احسست انها ستمضي في حياتها اقوى و اكثر سعادة اذا ما كان جوابي بالايجاب فقلت لها نعم ، و لن احب ابدا غيرك "
" و هل ما زلت تحبها بالفعل ؟ "
" هي نفسها كشخص طبعا لا ، لقد تزوجت و انجبت الآن ، حتى اننا اصدقاء على الفيس بوك ، لكن هي كشخص كان ، اعتقد اني لم اعبرها ابدا "
سحب شفطة جديدة نهمة من القهوة ، مدهش انه يكون قادر على الحديث عن الموضوع بعد كل السنين دي ، مدهش اللي بتخبيه الذاكرة ، احيانا بتبلع الذاكرة الوجود كله ، و ما يفضلش في النهاية ما هو حي غيرها
" انت رجل جيد يا صديقي "
" اشكرك "
ابتسم و حس لأول مرة ببعض الراحة ، لكن الاحساس ما استمرش كثير ، لقى مايكل بيضحك بشدة ، بيضحك لغاية تقريبا عينيه ما دمعت ، و لما تمالك نفسه شوية ، قال و هو لسه بيضحك
" هل تعلم زميلتنا تلك التي تشاجرت معها ، لديها نظرية اخبرت بها بعض زملائنا ان ذلك السفاح ليس الا انت ، انت و لا احدك سواك "
قالها مايكل و واصل الضحك ، اما هو فا ابتسامته اتبخرت من على وشه في ثانية ، و ابتلع الفراغ الوجود كله .
-----------------------------------------------------------------------------
----------------------------------------------------------------------------------
6
----------------------------------------------------------------
خد القرار و لا رجعة فيه ، قضي طول يوم الاحد يفكر في الموضوع ، و رغم ان مايكل اكد له و كرر في التأكيد ان النظرية دي عبارة عن نكتة ، نكتة كل اللي سمعها ضحك ، و استغرب انه واخد الموضوع بالجدية دي ، نكتة زميلتهم ما تقصدش منها الا الهزار ....
و وحش آدمي اللي قالتها له و عينها متركزة على عينيه ؟ دي كمان هزار ؟ و الكوابيس و البلاك اوت و الايد اللي بتخنق ، لو فيه احتمال و لو واحد في المية انها ما تكونش نكتة يبقى لازم يعمل اللي لازم يعمله اي انسان شريف مسؤول ، ارواح الناس مش لعبة !
في الطريق لقسم الشرطة لقى نفسه بيراقب الناس و هي رايحة جاية لاحوالها ، مرهق جدا ، و الارهاق هادد جسمه كله ، ما نامش تقريبا من صباح السبت ، اذا كان فيه وحش آدمي مستخبي جواه ،يبقى لازم يحمي الابرياء اللي في الشارع دول منه و اذا كان الموضوع كله وهم يبقى السلطات اللي تحدد ده ، ما فيش تفكير و لا قلق تاني
دخل القسم ، حيا الموظف بالزي الرسمي اللي قاعد على شباك التعامل مع الجمهور
" اشعر ان لدي معلومات عن قضية القاتل "
تفحصه الموظف ...
" تشعر ام تعلم ؟ "
" لا استطيع ان احدد ، لدي معلومات لا ادري ما مدى قيمتها "
ضغط الموظف الزر و اتفتح له الباب ، قاده لغرفة فيها مكتب و طلب منه الجلوس ، قعد و رغم كل شيئ بدأ يحس براحة ، ايا كانت النهاية ، ح تنتهي هذه الكوابيس ، حتى و لو في مصحة عقلية او في السجن ، ح تنتهي حتما الكوابيس دي
دخل موظف تاني اكبر سنا بزي البوليس الرسمي ، ابتسم له و مد له ايده بالسلام ، بعد المصافحة و جملتين كسر الجليد المألوفين قعد ورا المكتب و بص له بصة متفحصة اعمق من بصة موظف الاستقبال ، دخل هو في الموضوع فورا ، حكى له كل حاجة ، تفصيلة ، تفصيلة ، الكوابيس ، الايد الخانقة ، البلاك اوت ، كلمة زميلته و نظريتها اللي قالتها في الشغل على اساس انها نكتة ، كل شيئ حكاه و كأنه بيخلص من حمل تقيل
" قدرت ان الشخص الفاعل لابد و ان يكون بلا سابقة جنائية و الا لكان رمز حمضه النووي في بنك المعلومات و لأمكن الاستدلال عليه
انا هنا اعرض اخذ رمز حمضي النووي و مقارنتها بهذا الذي مسجل عندكم الآن للشخص الفاعل ، و اذا تطابقا لن يكون عندئذ اي شك "
بص له الظابط بصة طويلة من غير ما يتكلم و كأنه بيوزن ح يقول ايه بالظبط و اخيرا قال
" ما الذي دعاك الى الاعتقاد انك الفاعل ؟ فقط ما رويته لي الآن ، النسيان تحت تأثير الكحول و باقي ما رويت ام هناك اسباب اخرى ؟ "
" لا ، لقد رويت لك كل شيئ ، مهما كان الاحتمال ضئيلا فما دمت غير قادر على التذكر اذن فهو قائم و لا يمكن تعريض ارواح الناس للخطر "
ابتسم الظابط ، اربكته الابتسامة ، كان متوقع اي رد فعل الا الابتسام ، و خصوصا الابتسامة دي ، ابتسامة زي ما تكون من شخص بالغ لطفل بيقول شيئ ساذج
و بعد تقريبا نص دقيقة من الصمت قال اخيرا
" هل حدث انك قرأت صحف الصباح اليوم او استمعت الى التلفزيون او شرعت الى الانترنت ؟ "
" لا ، لقد كنت مرهقا قي التفكير ، مستغرقا بالكامل منذ يومين في تقليب اوجه المسألة ، لم يحدث "
" اقول ذلك لأنك لو كنت فعلت لعلمت انه تم بالفعل القبض على القاتل ليلة امس "
شعور فراغ بيتراجع ، شعور غامض مريح ان الاماكن و الاشياء بدأت تاخد شكلها و لونها الطبيعي
" دلت تحريات الشرطة عن شاب في اوائل العشرين ذو ماض من الاضطراب النفسي ، لكن و كما قلت انت ليس له سجل اجرامي و تم القبض عليه "
" هل من المؤكد انه هو الفاعل ؟ "
" مئة في المئة ، دل على ذلك حمضه النووي "
" اذن فقد انتهى الامر "
" قانونيا قد تكون هناك تحقيقات بشأن اهمال طبي في تقدير خطورة الحالة ، لكن التحقيق الجنائي اغلق ، يقينا لن يعزي شيئ اقارب الضحايا لكن في النهاية ، المدينة تنفست الصعداء "
تنفس الصعداء تعبير لا يكفي ابدا لوصف اللي حس به من راحة ...
" اشكرك ، كل سكان المدينة مدينون لكم بالشكر و انا عاجز عن التعبير عن شكري ، هم كبير انزاح عن صدري "
" هل تريد رأيي في كامل الصورة "
" تفضل "
" اعتقد يا سيدي انك قد تكون واقعا في الحب "
ضحك ضحكة قصيرة و غمز له بعينيه ، شعور جديد بدأ يزحف ، شعور ابعد ما يكون عن الفراغ ، شعور ذو عمق غريب ، عمق جذاب و ناعم بيتسلل للروح ...
" من تقصد ؟ زميلتي التي ذكرتها لك ، لا اتصور انك تتحدث جديا "
" سيدي ، يعتقد كثيرون ان مهنة الشرطة هي امن و سلاح و تحقيقات ، لكن عملنا هو مع الناس ، و لقد رأيت من بين جدران هذه الغرفة الكثير ، ما تقوله هو اعراض حب صريح ، اضطراب في النوم ، اضطراب يلاحظه رفاق العمل ، تعاطي غير منضبط للكحوليات ، ارتكاب حماقات ، كل هذا هو اعراض واضحة لهذا السفاح المسمى بالحب "
" حماقات ؟ "
ضحك و هو لسه مبتسم و لسه بيتفحصه قال
" الذهاب الى القسم الشرطة للاعتراف زورا بجرائم قتل ، من الصعب تصنيف ذلك في خانة الاعمال الحكيمة "
ابتسم هو كمان ، و غمر الروح عمق جديد التهم الفراغ بالكامل ، مش جديد ، قديم .....
.. قديم لكن منسي ، مركون في زوايا الروح ، و بلمسة واحدة انتفض و لمع و تمدد ....
" و ماذا ترى ان علي ان افعل ؟ "
ضحك تاني و بدأ يقلب في الملفات اللي قدامه في اشارة واضحة ان وقته ما بقاش يسمح با اكثر
" في هذه لا استطيع ان اساعدك ، لا توجد اجراءات قانونية حيال هذا النوع من السفاحين "
و رغم انه ادرك الاشارة ان المقابلة انتهت ، الا انه لقى نفسه مش قادر يمنع النفس من سؤال اخير
" اقصد كيف اعرف ان هناك احتمالية بشعور ما متبادل ؟ "
" كل ما عليك هو ان تسأل ، لا تتوقع من المرأة ابدا ان تقوم بالخطوة الاولى ، لكن بشكل مبدئي فا ان تلك المزحة التي اطلقتها عنك مبشرة ، هذا يعني انك حاضر في تفكيرها بشكل ما "
وقف و شكره و مد له ايده يسلم عليه ، حس اول ما وقف في جسمه كله بالشئي نفسه الغامض القديم نفسه بيتمدد اكثر و اكثر
بيبلع في مساحات من الفراغ اكبر و اكبر ..
و قف الظابط و مد له ايده و هو مبتسم و كرر نفس الجملة تاني
" كل ما عليك هو ان تسأل "
و هو على الباب بيتأهب للخروج قال له الظابط كلمة اخيرة ، لتاني مرة خلال ساعات يسمعها هي نفسها
" انت رجل جيد يا سيدي "
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------
7
--------------------------------------------------------------------------------
ما قبل المكاشفة ، ما قبل الافصاح ، فترة السر الجميل مع النفس ، السر اللي عايز يفضل سر ، السر اللي بيأجل البوح بنفسه ، علشان يمتد اكثر و اكثر في الروح ، في اي غرفة مقفولة من غرف الروح ، طول كل السنين دي كان مستخبي هذا الاعصار من النشوة ؟ مش مهم يكون الشعور متبادل ، مش مهم نهاية القصة و مش مهم حتى انها تبتدي ، المهم ان اللي كان طيف من الماضي بيلح على ذاكرة الروح في اوقات التعب بالذات ، عاد الآن بكامل حضوره ، بكامل سطوته و جبروته ، و ما اضعفك من عدو و ما اسهل هزيمتك يا هذا المسمى بالفراغ .....
لو وافقت ح يعزمها في المطعم الصيني ، فيه مطعم صيني جميل في وسط المدينة ، كان لما بتعجبه بنت في مصر زمان بيعزمها في المطعم الصيني ، الاضاءة الخافتة و الدفء المميز ، في كل مدينة في العالم ح تلاقي هذا المطعم الصيني الجميل في وسط المدينة
تقدم ناحية مكتبها بهدؤ و ثقة ، مرتبك من جوه ما فيش شك ، مرتبك داخليا بالكامل ، لكن ملامحه و حركاته الخارجية مظبوطة بهدؤ و ثقة
" صباح الخير "
رفعت راسها من على الاوراق اللي في ايدها ، التقت عينيهم تاني ، لأول مرة من اليوم اياه ، لقى العمق القديم بيتمدد في كيانه اكثر ...
" لقد اتيت لتوي من مكتب المدير ، قلت له ان وجهة نظرك كانت صائبة ، و ان امورا كانت غائبة عن الصورة عندي ، كان الموضوع معلقا عنده لأنشغاله ، لقد مر الآن تماما "
ابتسمت ، ظهر عليها بعض الحرج ، هل يوجد اجمل في الوجود من وجه جميل يبدو عليه الحرج
" اردت ان اعتذر لك عن اي سؤ تفاهم قد يكون حدث "
" لا ، لا بالمرة ، بل انا من يجب ان اعتذر ، لقد كنت فظة معك "
الآن ، دلوقت ، حالا ، اتكلم دلوقت و الا مش ح ينفع تاني ، فرصتك ، و لما تندم انك اتكلمت و انها رفضت احسن ما تندم ان لسانك اتعقد و ما اتكلمتش ، درس تاني منسي من ايام زمان ....
" كنت افكر ، هناك مطعم صيني جيد في وسط المدينة ، ما رأيك لو تناولنا الغذاء هناك لنناقش ما يمكن ان نفعله اكثر لخدمة تلك الاسرة "
التقت العيون تاني ....
سكتت شوية و بعدين ردت و قالت
" لما لا "
رغم ان الابتسامة اللي اشرقت في عينيها اغنته عن اي رد .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق